أولا :
اتفق الفقهاء على استحباب دخول الخلاء بالرجل اليسرى والخروج بالرجل اليمنى . انظر " المجموع للنووي " (2/72) .
وليس هناك دليل خاص من السنة على هذه المسألة .
غير أن العلماء استدلوا لها بدليلين :
الأول : القاعدة الشرعية التي دلت عليها نصوص كثيرة ، وهي : استحباب تقديم اليمين فيما كان من باب التكريم ، وتقديم اليسار فيما كان من الأذى .
روى أبو داود (32) ، وأحمد (26464) عَنْ حَفْصَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " (1/160) :
" هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ أّنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر وَهُوَ مَشْطُهُ – يعني : تسريح الشعر - وَنَتْف الإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلام مِنْ الصَّلاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلاء , وَالأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلام الْحَجَر الأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ . وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالامْتِخَاط وَالاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه بِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى : تُقَدَّمُ فِيهَا الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ ؛ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالِابْتِدَاءِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي السِّوَاكِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَكَاللِّبَاسِ وَالِانْتِعَالِ وَالتَّرَجُّلِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَتُقَدَّمُ الْيُسْرَى فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَخَلْعِ النَّعْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا : إنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ كَانَ بِالْيَمِينِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ ؛ وَمُنَاوَلَةِ الْكُتُبِ وَتَنَاوُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ ضِدَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْيُسْرَى كَالِاسْتِجْمَارِ وَمَسِّ الذَّكَرِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَالِامْتِخَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/108-109) .
فتقديم الشمال عند دخول الخلاء هو فرع من فروع هذه القاعدة .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وأما تقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا [يعني : من الخلاء] فله وجه ؛ لكون التيامن فيما هو شريف ، والتياسر فيما هو غير شريف ، وقد ورد ما يدل عليه في الجملة " انتهى من " السيل الجرار " (ص/43) .
الدليل الثاني : القياس على دخول المسجد والخروج منه ، وهو قياس عكسي ، وهو أحد أنواع القياس .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يستحبُّ أن يُقدِّمَ رجله اليُسرى عند دخول الخلاء ، ويُقدِّمَ اليُمنى إِذا خرج ، وهذه مسألة قياسيَّة ، فاليمنى تُقَدَّم عند دخول المسجد كما جاءت السُّنَّة بذلك ، واليسرى عند الخروج منه ، وهذا عكس المسجد ... فإِذا كانت اليُمنى تُقدَّم في باب التَّكريم ، واليُسرى تُقدَّم في عكسه ، فإنه ينبغي أن تُقدَّم عند دخول الخَلاء اليُسرى ، وعند الخروج اليُمنى ؛ لأنَّه خروج إِلى أكمَل وأفضلَ " انتهى من " الشرح الممتع " (1/108) .
ثانيا :
نعم ، كانت العرب لا تتخذ أماكن لقضاء الحاجة في البيوت ، وإنما كانوا يقضون الحاجة في الفضاء والصحراء ، غير أن هذا الأدب ليس خاصا بدخول البنيان ، بل هو مشروع عند قضاء الحاجة في البنيان أو الفضاء ، ففي البنيان يقدم اليسرى دخولا ، واليمنى خروجا ، وفي الفضاء يقدم اليسرى إلى الموضع الذي سيجلس فيه ، واليمنى بعد قيامه .
قال النووي رحمه الله :
" وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ ... أَصَحُّهُمَا : لَا يَخْتَصُّ ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، قَالَ : فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ ، وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه " انتهى من " المجموع " (2/77) .
فهذا الأدب سنة عند إرادة قضاء الحاجة ، سواء كان في الخلاء أو البنيان . وعليه ، فلا يرد الإشكال الذي ذكره السائل عن بعض الناس .
والله أعلم .