أولاً :
لا يصح لأحد أن يستخير عن أحد ، بل صاحب الحاجة هو الذي يصلي ويدعو الله تعالى .
وهذا الشخص الذي استخار لوالدتك قد وقع في الحرام ؛ لأنه ارتكب بدعة لم يأت بها الشرع وهي الاستخارة عن الغير ، ثم إنه تسبب في الإضرار بك حيث زاد الأم تمسكا برأيها .
ثانياً :
إذا رفضت الأم زواج ابنتها ، وليس هناك سبب مقبول لذلك : فلا حرج على البنت أن تتزوج بدون رضا أمها ، إذا كان ذلك بموافقة وليها ، ولا تأثم بذلك ولا تلحقها لعنة من جراء ذلك ، لا هي ولا ذريتها ؛ بل هذه مجرد دعوى غير صادقة ، وهي أقرب إلى التألي على الله .
وطاعة الوالدين واجبة فيما فيه منفعة لهما ، ولا ضرر على الولد فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ... وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه ... ؛ لسقوط الفرائض بالضرر " انتهى من " الاختيارات الفقهية " (ص/170) .
وقال العدوي المالكي رحمه الله :
" لا يجب طاعتهما [ يعني : الوالدين ] فيما كان في تركه ضرر ، مثل : أن يأمراه بترك معيشة أو صناعة " انتهى من " حاشية العدوي " (4/289) .
فإذا كان الفعل لا منفعة فيه للوالدين ، فلا تجب طاعتهما على الولد ، وكذلك إذا كان فيه منفعة لهما ، ولكن فيه ضرر على الولد لا تجب طاعتهما .
وبناء على هذا ، لا يجب عليك أن تطيعي أمك في ترك هذا الزواج ؛ لأن منفعة الزواج لك أنت ، وليست لوالدتك ، ولأن عليك مضرة في الاستجابة لها .
ثالثاً :
أما زواجك سراً ... فماذا تقصدين بالزواج سراً ؟ هل تقصدين سراً عن عائلتك كلها ؟ أم سراً عن والدتك فقط ؟
فعلى الاحتمال الأول : لا يصح أن تتزوجي سرا عن عائلتك لأمرين :
1- الولي – وفي حالتك هو والدك - شرط في صحة النكاح ، فلا بد أن يتولى هو أمر تزويجك ، ولا يصح النكاح بدون ولي .
وقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الزواج بدون ولي ( باطل ، باطل ، باطل ) ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (20213) .
2- ليس من مصلحتك الزواج سراً ؛ لأن مثل هذا الزواج يجلب في العادة من المتاعب والمشكلات ما يجعل صاحبته تقع في الشقاء الذي كانت تظن أنها تفر منه .
وللعبرة والعظة طالعي مرارة تجربة الزواج سرا لصاحبة الفتوى رقم : (201951 ) ، والسعيد من وعظ بغيره .
وعلى الاحتمال الثاني : إذا كنت تقصدين بكلمة " سرا " أي سرا عن والدتك فقط لكن مع علم والدك ، ورضاه بذلك ، وهو الذي يتولى أمر تزويجك ، أو يوكل والدك من يعقد لك النكاح نيابة عنه ، فهذا الزواج صحيح ، ولا يؤثر عليه كونه سرا على والدتك .
لكن ... هل الأفضل لك أن تتزوجي بدون رغبة والدتك ، أو الأفضل لك أن توافقيها ؟
عليك أن تقدري ما يترتب على كل فعل من مصالح ومفاسد ، ثم مع الموازنة تستطيعين أن تختاري الأصلح لك ولأسرتك .
ونحن نساعدك في هذه الموازنة فنضع أمامك بعض النقاط :
- إذا أمكنك الاستغناء عن هذا الشاب والانصراف عنه إلى غيره : فتقديم رضا والدتك أفضل ، لا سيما إذا لم تكن سنك متقدمة ، بحسب مقاييس المجتمع الذي تعيشين فيه ، وكانت الفرصة ما زالت متاحة أمامك .
- إذا لم يمكنك فعل ذلك ، أو كان عليك ضرر في عدم الزواج منه : فيكون زواجك منه أفضل ، مع وجوب التلطف بالأم ، والاجتهاد في استرضائها بقدر ما يمكنك .
- إذا استطعت أن تقدمي محافظتك على تماسك أسرتك ، وعدم تفككها ، وإثارة خلافات قد تعصف بها ، وأن تقدمي ذلك على رغبتك الشخصية ، فذلك أفضل .
وبعد كل ذلك استعيني بالله تعالى ، وأكثري من دعائه أن ييسر لك الخير ، وأن يلهمك رشدك ، ولا تفعلي شيئاً إلا بعد استخارة الله عز وجل .
وفقك الله تعالى لكل خير .
والله أعلم .