هذا الكلام بهذا الإطلاق ؛ هو كلام باطل ومن الضلال ولا يقول به مسلم ؛ وبيان ذلك كالآتي :
النصوص الشرعية على ضربين :
الضرب الأول من النصوص الشرعية :
ما كان معناها مجمعا عليه بين جميع المسلمين ، كالنصوص الآمرة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت ، وكنصوص توحيد الله تعالى وإثبات الجنة والنار وقيام الساعة وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية ، فأمثال هذه الآيات المجمع على معناها من أَوَّلَها بتأويل يخالف ما عليه الإجماع فقد اتبع سبيلا غير سبيل المؤمنين .
قال الله تعالى :
( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء / 115.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" قال - الله تعالى - : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال العلماء: من لم يكن متبعا سبيلهم كان متبعا غير سبيلهم ، فاستدلوا بذلك على أن اتباع سبيلهم واجب ، فليس لأحد أن يخرج عما أجمعوا عليه " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 7 / 173 ) .
الضرب الثاني من النصوص الشرعية :
نصوص اختلف أهل العلم في تأويلها .
فهذه لا يجوز تأويلها إلا بضوابط :
الضابط الأول : أن يكون هذا التأويل ليس بخارج عن تفسير السلف الصالح لها .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" من فسر القرآن أو الحديث ، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ، ملحد في آيات الله ، محرف للكلم عن مواضعه ، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد ، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام " انتهى من " مجموع الفتاوى " (13/ 243).
وقال السيوطي رحمه الله تعالى :
" لا شك أن المجتهد يحرم عليه إحداث قول لم يقل به أحد ، واختراع رأي لم يسبق إليه ولهذا كان من شروط الاجتهاد معرفة أقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، إجماعا واختلافا ، لئلا يخرق الإجماع فيما يختاره " انتهى من " صون المنطق " ( ص 47 ) .
الضابط الثاني : أن يكون المتأول متبعا في تأويله القواعد العلمية ولا يكون متبعا هواه ، ومن هذه القواعد ؛ يجب أن يكون التأويل موافقا لما تقتضيه لغة العرب وعاداتهم في الكلام زمن نزول القرآن لأن بهذه اللغة جاء القرآن وجاءت السنة .
قال الشاطبي رحمه الله تعالى :
" القرآن نزل بلسان العرب على الجملة ، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة ، لأن الله تعالى يقول: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .
وقال: ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) .
وقال: ( لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) .
وقال: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) .
إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب ، لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم ، فمن أراد تفهمه ، فمن جهة لسان العرب يفهم ، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة " انتهى من " الموافقات " ( 2 / 102 ) .
وقال رحمه الله تعالى :
" معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل ، وإن لم يكن ثَمَّ سبب خاص = لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه ، وإلا وقع في الشُّبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة " انتهى من " الموافقات " ( 4 / 154 ) .
ويجب أن يكون التأويل موافقا للثابت من نصوص الكتاب والسنة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها : هو التأويل الصحيح. والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة : هو التأويل الفاسد .
ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك ، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول ، وما خالفه فهو المردود " انتهى . " الصواعق المرسلة " ( 1 / 187 ) .
الضابط الثالث : أن يكون المتأول ؛ ممن له حق الاجتهاد في تفسير كلام الله تعالى ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويمتلك من العلم ما يؤهله لذلك .
قال الله تعالى :
( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل / 43 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل . فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص 441 ) .
وعَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا ، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ ) رواه البخاري ( 7307 ) ومسلم ( 2673 ) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
" ومعنى الحديث : ذم من أفتى مع الجهل ولذلك وصفهم بالضلال والإضلال " انتهى من " فتح الباري " ( 13 / 287 ) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (112123) ورقم (10645) ورقم (8294).
والله أعلم .