0 / 0

هل اتخذ النصارى مريم عليها السلام إلها كما ورد في القرآن ؟

السؤال: 220391

كنت أتابع اليوتيوب عن الإسلام والإلحاد ، وكتبت ردًا على تعليق لأحد الشباب ، وأعتقد أنه من الغرب أو أوروبا ، ثم سألني : لماذا ذكر الله تعالى مريم عليها السلام في سؤاله لعيسى عليه السلام عن قوله للناس باتخاذه وأمه إلهين من دون الله … الآيات من سورة المائدة : [ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ]
فقال لي بترجمة كلامه : كل مسيحي في الأرض يعرف أن مريم ليس هو الله ، أو أي جزء من الله ، وليس في التاريخ المسيحي على حد علمي فكرة مريم الإلهية .
وعند الروم الكاثوليك القيام بإجلالها ورفع مريم كشخص مرتبة إضافية خاصة ، ولكن لا طائفة الآن أو في التاريخ تعتبرها أو تعبدها ككائن الإلهي .
فما الحكمة من ذكر الله لاسم مريم في سؤاله عن الجرم العظيم لبني إسرائيل ، وهو اتخاذ عيسى عليه السلام إلهاً من دون الله ، حيث إنه لم يعهد أن بني إسرائيل كانت تتخذ مريم عليها السلام إلهاً مع عيسى ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
هذا السؤال ناتج عن مفهوم خاطئ للإلهية في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ولو كان هذا المفهوم واضحا لما طرأ السؤال عليه أصلاً ؛ لأن من ينكر اتخاذ مريم عليها السلام إلها عبر التاريخ إنما ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار ، ولكن لأن هذا المتحدث لا يعلم معنى الإلهية في المصطلحات القرآنية ، فقد صدرت عنه هذه الشبهة ، هذا إن أحسنا الظن ، أما إن أسأنا الظن فهو يريد بذلك الطعن على القرآن .
ويكفي للجواب على السائل أن يسمع ما يقوله كثير من النصارى العرب وغير العرب عندما تحل بهم نازلة ، أو تصيبهم مصيبة أو كارثة ، فإلى من يلجؤون حينئذ ، ومن يدعون ويسألون أن يكشف كربتهم التي لا يقدر على كشفها إلا الله ؟!!
إذا كان هذا المحاور منصفاً ، ويعلم عن عادات النصارى ، فسيعترف أن كثيرا منهم يسارع في الدعاء عند المصيبة بقوله : يا عذراء … يا عذراء !! أي : أنقذيني يا عذراء وأغيثيني ، وامنحيني الفرج من عندك .
وهذا هو اتخاذها إلها في عقيدة المسلمين ، وفي المفهوم القرآني .
فالفرج الذي لا يأتي به إلا الله ، لا يجوز سؤاله من غيره ، ولا طلبه من أحد من الخلق دونه عز وجل ، وإلا كان المسؤول من دون الله إلها للسائل ، وهذا ما نعاه القرآن الكريم على كفار قريش ، حيث يقول الله عز وجل : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) الإسراء/56- 57.
فكل مخلوق عظمه الناس فوق منزلته البشرية ، وأضفوا عليه هالة من التقديس والتبجيل لا تليق إلا بالله ، واعتقدوا فيه أسرارا من القدرة على الشفاء والفرج والمغفرة ، فقد اتخذ إلها من دون الله ، وإن لم يطلق عليه اسم ( الله ) أو ( الإله ) أو ( الرب ) ، كما قال تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31. ومن المعلوم أن أحدا من النصارى لم يعتقد بألوهية الأحبار والرهبان الألوهية المطلقة ، ولكنهم اعتقدوا فيهم حق التشريع ، أو حق التحليل والتحريم ، فكأن الحبر الأعظم مخول بالتحليل والتحريم من دون الله ، وهذه الصفة ” التشريع المطلق ” لا تليق إلا بالله ، فلما نسبها النصارى للأحبار والرهبان سمى القرآنُ الكريم ذلك شركا ، وجعله جزءا من مفهوم ” الألوهية الباطلة “. كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ” وهكذا قال حذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس ، وغيرهما في تفسير : إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا . وقال السدي : استنصحوا الرجال ، وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (4/135)
وهكذا أيضا سمى القرآن الكريم كل محبوب مقدم على ما يحبه الله ويرضاه : إلها ، كما قال عز وجل : ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ) الفرقان/43، وقال سبحانه : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) الجاثية/23.
فانظر كيف سمى الهوى إلها في هاتين الآيتين ؛ لأن اتباع الهوى اتباعا مطلقا في الحق والباطل ، يصبح معه كأنه هو الإله المطاع ، وذلك سبب كاف في تسمية الهوى ( إلها ) في القرآن الكريم ، وفي مجازات اللغة العربية .
فهل رأيت ملة من الملل تعبد إلها اسمه ( الهوى )!! أو تعتقد بفكرة الإلهية الهوائية – على حد تعبيرك في السؤال !!
إذن فلماذا سمي الهوى في الآية الكريمة ” إلها “، إلا أن يكون الجواب أن إطلاق ” الإله ” في القرآن الكريم إطلاق واسع ، ورد على مجموعة من المعاني الصحيحة عقلا ولغة !!
ومثله أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ) رواه البخاري (2887).
فانظر كيف سماه في الحديث ( عبد الدرهم )، رغم أنك لا تجد في التاريخ طائفة تصلي وتسجد وتركع للدرهم !!
فالعبودية هنا بمعنى المحبة الشديدة التي يرفع فيها المحبوب بقدر من التبجيل والتعظيم الذي يعلق القلوب به مع الله سبحانه .
فإذا وصفت الآية الكريمة بعض النصارى بأنهم اتخذوا السيدة مريم البتول عليها السلام ” إلها ” فلا يلزم بالضرورة أن توجد طائفة تقول إن مريم ( إله ) بهذه الحرفية الشديدة ، بل يكفي أن يعتقدوا فيها ” الإلهية ” على أي معنى من المعاني التي ذكرناها .
ثانيا :
وبعد ذلك كله نقول أيضا :
إن التاريخ يشهد بوقوع طوائف من النصارى في تأليه مريم البتول عليها السلام ، إلها خالقا للكون مع الآب والابن على حد زعمهم ، وإذا لم يبلغ إلى علم هذا المحاور ذلك ، فلا يسارع بالنفي المطلق ؛ بل يجب عليه أن يحترم سعة العلم ، وامتداد التاريخ ، ولا يتحدث إلا في إطار ما بلغ سمعه وعقله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ذكر سعيد بن البطريق [ بطرق الإسكندرية سنة (400هـ)] في أخبار النصارى : أن منهم طائفة يقال لهم “المريميون” ، يقولون : إن مريم إله ، وإن عيسى إله ” انتهى من ” الجواب الصحيح ” (2/15).
ويقول أيضا :
” وذكر مريم مع المسيح ; لأن من النصارى من اتخذها إلها آخر فعبدها ، كما عبد المسيح .
والذين لا يقولون بهذا : كثير منهم يطلب منها كل ما يُطلب من الله ، حتى يقول لها : اغفري لي وارحميني ، وغير ذلك ، بناء على أنها تشفع في ذلك إلى ابنها .
فتارة يقولون : يا والدة الإله ، اشفعي لنا إلى الإله ، وتارة يسألونها الحوائج التي تطلب من الله ولا يذكرون شفاعة ، وآخرون يعبدونها كما يعبدون المسيح .
وقد ذكر سعيد بن البطريق هذا عنهم ، لما ذكر اجتماعهم عند ” قسطنطين ” بـ ” نيقية “.
قال : وكانوا مختلفي الآراء مختلفي الأديان .
فمنهم من يقول : المسيح وأمه إلهان من دون الله ، وهم المريمانيون ويسمون المريمانية ، كذلك قال ابن حزم ، وقد قال تعالى : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وهو سبحانه لم يحك هذا عن جميع النصارى ، بل سأل المسيح سؤالا يقرع به من اتخذه وأمه إلهين من دون الله ” انتهى باختصار من ” الجواب الصحيح ” (4/255-257)
ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :
” وأما أمه فعبادتها كانت متفقا عليها في الكنائس الشرقية والغربية بعد قسطنطين ، ثم أنكرت عبادتها فرقة البروتستانت التي حدثت بعد الإسلام بعدة قرون .
إن هذه العبادة التي يوجهها النصارى إلى مريم والدة المسيح عليهما السلام ، منها ما هو صلاة ذات دعاء وثناء واستغاثة واستشفاع ، ومنها صيام ينسب إليها ، ويسمى باسمها ، وكل ذلك يقرن بالخضوع والخشوع لذكرها ولصورها وتماثيلها ، واعتقاد السلطة الغيبية لها التي يمكنها بها في اعتقادهم أن تنفع وتضر في الدنيا والآخرة بنفسها أو بوساطة ابنها ، وقد صرحوا بوجوب العبادة لها .
ولكن لا نعرف عن فرقة من فرقهم إطلاق كلمة ( إله ) عليها ، بل يسمونها ( والدة الإله )، ويصرح بعض فرقهم بأن ذلك حقيقة لا مجازا ، والقرآن يقول هنا : إنهم اتخذوها وابنها إلهين ، والاتخاذ غير التسمية ، فهو يصدق بالعبادة وهي واقعة قطعا .
وبين في آية أخرى أنهم قالوا : ( إن الله هو المسيح ابن مريم ) (5: 17، 72) وذلك معنى آخر.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى في أهل الكتاب : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) أنهم اتبعوهم فيما يحلون ويحرمون ، لا أنهم سموهم أربابا .
وأول نص صريح رأيته في عبادة النصارى لمريم عبادة حقيقيةً ، ما في كتاب ( السواعي ) من كتب الروم الأرثوذكس ، وقد اطلعت على هذا الكتاب في دير يسمى ( بدير البلمند ) وأنا في أول العهد بمعاهد التعليم . وطوائف الكاثوليك يصرحون بذلك ويفاخرون به .
وقد زين الجزويت في بيروت العدد التاسع من السنة السابعة لمجلتهم ( المشرق ) بصورتها ، وبالنقوش الملونة ، إذ جعلوه تذكارا لمرور خمسين سنة على إعلان البابا بيوس التاسع أن مريم البتول ” حبل بها بلا دنس الخطية “، وأثبتوا في هذا العدد عبادة الكنائس الشرقية لمريم كالكنائس الغربية ، ومنه قول (الأب لويس شيخو) في مقالة له فيه عن الكنائس الشرقية : إن تعبُّد الكنيسة الأرمنية للبتول الطاهرة أم الله : لأمر مشهور . وقوله : قد امتازت الكنيسة القبطية بعبادتها للبتول المغبوطة أم الله ” انتهى من ” تفسير المنار” (7/219-220).
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” النصارى كانوا يسجدون لصور عظماء ملتهم ، مثل صورة مريم ، وصور الحواريين ، وصورة يحيى بن زكرياء ، والسجود من شعار الربوبية ، وكانوا يستنصرون بهم في حروبهم ولا يستنصرون بالله .
وهذا حال كثير من طوائفهم وفرقهم ، ولأنهم كانوا يأخذون بأقوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنه من الدين ، فكانوا يعتقدون أن أحبارهم ورهبانهم يحللون ما حرم الله ، ويحرمون ما أحل الله ” انتهى باختصار من ” التحرير والتنوير ” (10/170) .
وقد ذكر القمص زكريا إبراهيم: ” أن هذه الفرقة ظهرت في القرن الخامس الميلادي . وكان أصحاب هذه البدعة من الوثنيين الذين اعتنقوا المسيحية . وكانوا في وثنيتهم يعبدون الزهرة ويقولون عنها ملكة السماء . وعندما اعتنقوا المسيحية حالوا التقريب بين ما كانوا يعبدون وبين العقيدة المسيحية . فاعتبروا (مريم) ملكة النساء أو إلهة النساء بدلاً من الزهرة ولذلك أطلقوا على أنفسهم اسم ( المريميين ) ” اهـ. ( ر: الله واحد في الثالوث المقدس ص 41) .
وقد ذكر ابن البطريق هذه الطائفة في كتابه: ( نظم الجوهر ) ونقله عنه ابن تيمية في الجواب الصحيح 3/22، وابن القيم في هداية الحياري ص 321، والمقريزي في خططه 3/524. وقد ذكرها ابن حزم باسم ( البربرانية ) وبأنها قد بادت . ( الفصل في الملل والنحل 1/110 ) .
وقد ردّ الله عز وجل على هذه الطائفة في قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) [سورة المائدة، الآية: 116] .
ومع أن النصارى يقولون بانقراض هذه الفرقة وأن الكنيسة لا تعترف بألوهية مريم وتؤمن بأن العذراء مريم إنسانة بشرية. (ر: الله واحد في الثالوث ص 42) . إلاّ أن تقديس النصارى لمريم جاء في مجمع أفسس الأوّل سنة 431م، الذي وضع مقدمة قانون الإيمان كالآتي: “نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء المقدسة والدة الإله”. ويؤكّده أيضاً ما جاء في أوامر الكنيسة وتعاليمها بالتوجه والدعاء إلى مريم. وأن تختم الصلاة الربانية عندهم بالصلاة المريمية عشرين مرة. (ر: الإنجيل الصليب ص 125، 126، للمهتدي عبد الأحد داود. المسيحية في العصور الوسطى ص 44 جاد المنفلوطي) .
ونختم هنا بنقل مهم جدا عن أحد قساوسة الكنيسة القبطية ، وهو من كتب كتابا بعنوان : ” بدعة تأليه العذراء “، واسمه حنين عبد المسيح ، عرّف نفسه بأنه عبد للرب يسوع المسيح ، باحث في الكتاب المقدس ، شماس وواعظ سابق في الكنيسة الأرثوذكسية ، هاجم في كتابه هذا الكنيسة لأنها تؤله السيدة مريم العذراء في معتقدها وسلوكها التعبدي ، وفصل القول في ذلك في نحو تسعين صفحة ، نختصر منها بعض الأدلة التي ذكرها في هجومه فيقول :
” على الرغم من أن الكنيسة الأرثوذكسية تدعي أنها لا تعبد العذراء ، ولكنها تكرمها وتتشفع بها فقط ، إلا أن الحقيقة أن طقوس هذه الكنيسة مليئة بالصلوات والتضرعات والتوسلات والطلبات والدعوات التي تقدم للعذراء مباشرة من دون الله ، وكأنها إلهة تسمع وتستجيب الناس في كل مكان وزمان .
ومن أمثلة هذه الصلوات : ” يا والدة الإله ، أنت هي الكرمة الحقيقية الحاملة عنقود الحياة . نسألك أيتها المملوءة نعمة مع الرسل من أجل خلاص نفوسنا ” ( صلاة الساعة الثالثة ).
” إياك أدعو أن تساعديني لئلا أخزي ، وعند مفارقة نفسي من جسدي احضري عندي ، ولمؤامرة الأعداء اهزمي ، ولأبواب الجحيم أغلقي لئلا يبتلعوا نفسي ” ( صلاة الغروب ) .
” أنت هي سور خلاصنا يا والدة الإله العذراء . الحصن المنيع غير المنثلم . أبطلي مشورة المعاندين ، وحزن عبيدك رديه إلي فرحا ، وحصني مدينتنا ، وعن ملوكنا حاربي وتشفعي عن سلامة العالم لأنك أنت هي رجاؤنا يا والدة الإله ” ( صلاة نصف الليل ).
ولا تكتفي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في طقوسها وصلواتها بتقديم البخور والتسابيح والتماجيد والصلوات للعذراء ، بل تقدم لها أيضا السجود إلي جانب الله الذي يستحق وحده السجود والعبادة
في بيته .
ولا يوجد في الكتاب المقدس آية واحدة أو موقف أو مثل واحد يبرر السجود لغير الله في بيته ومكان عبادته ، فوصية الله الواضحة – التي أكد عليها الرب يسوع المسيح – هي : ” للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد ” ( مت ١٠:٤)
ومن أمثلة الطقوس والصلوات التي تقدم فيها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية السجود للعذراء : ” أسجد تحت أقدامك يا سيدتنا ، كلنا والدة الإله ” ( لحن برلكس الميلاد المجيد يصلي بعد لحن بيجينميسي )
والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تخصص صوما للعذراء في الفترة من ١ إلي ١٥ مسري من كل عام . ويشهد طقس الكنيسة في هذا الصوم بأنه مخصص ومقدم للعذراء ، وليس لله ، حيث يمتلئ من التسابيح والتماجيد والصلوات والألحان والعظات والنهضات والاحتفالات الخاصة بالعذراء وينتهي بعيدها ، والكثيرون من الأقباط ينذرونه للعذراء ، ويوفون بنذرهم … والكثيرون من الأقباط الأرثوذكس ينذرون نذورا للعذراء ، خاصة في صومها ، وذلك استغاثة بها ، لكي تستجيب طلباتهم ودعواتهم ، وعن هذا يقول الأنبا غريعوريوس – أسقف الدراسات اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي – : ” يرجع السبب الأكبر في حفظ الأكثرين لهذا الصوم إلى محبتهم للعذراء مريم ، التي يسمي هذا الصوم باسمها . فهم يكرمون الصوم الذي علي اسمها تكريما لها، وتقديسا لاسمها ، استغاثة بها ، وطلبا لصلواتها ” ( موسوعة الأنبا غريغوريوس ٢٠ ( ٢٠٠٧ – ص٣٩٠ / العذراء مريم)
وهكذا نجد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم كل ممارسات وطقوس العبادة غير منقوصة للعذراء ( وباقي القديسين ) إلي جانب الله ، ولا تترك منها شيئا تخص به الله ، وتدعي بعد كل هذا أنها فقط تطوب العذراء وتكرمها تماما ، مثل الزوجة التي تقدم كل ما لديها حتى جسدها لأقارب زوجها ، وتقول إنها تفعل ذلك فقط لإكرامهم .
وتخاطب الكنيسة الأرثوذكسية العذراء في صلواتها وطقوسها بالألقاب الخاصة بالمسيح الإله ، وتضعها موضع المسيح ، وفي مركزه الذي ينبغي أن ينفرد به وحده ، ومن أمثلة هذه الألقاب : الشفيعة المؤتمنة ” انتهى باختصار من كتاب ” بدعة تأليه العذراء ” (ص/55-68) وهذا رابط الكتاب لمن يرغب بالاطلاع عليه :
http://www.al-maktabeh.com/play.php?catsmktba=1570
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android