أولا :
روى الطبراني في " المعجم الكبير" (486) ، والروياني في "مسنده" (1283) عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ ) .
وجوّد الشيخ الألباني رحمه الله إسناده في "الصحيحة" (226) ، وضعفه غيره .
وروى مسلم (2763) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ، فَأَنَا هَذَا ، فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ ؟
قَالَ : فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114 ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ قَالَ: ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) " .
ورواه البخاري (526) ، ومسلم (2763) ولفظه : " أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114 ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا ؟ قَالَ: ( لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ ) ".
ولفظ مسلم :
" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ( لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي ) " .
ثانيا :
وجه الجمع بين الحديثين : أن الحديث الأول فيه الترهيب من مس المرأة الأجنبية ، وأن الرجل لو طعن في رأسه بمخيط من حديد : فهو خير له وأهون عليه من أن يمس امرأة لا يحل له مسها ، قال المناوي رحمه الله :
" ( خير لَهُ من أَن يمس امْرَأَة لَا تحل لَهُ ) : أَي لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا ، وإذا كَانَ هَذَا فِي مُجَرّد الْمس ؛ فَمَا بالك بِمَا فَوْقه من نَحْو قبْلَة ومباشرة ؟ "
انتهى من "التيسير" (2/ 288) .
وقال الألباني رحمه الله :
" في الحديث : وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 448) .
فورد الحديث مورد الزجر ، مع الإشارة إلى ما يستحقه مَن مس الأجنبية من النكال .
لكن ليس فيه أنه يعاقب بذلك في الدنيا ، ولا في الآخرة ؛ بل عقاب من فعل ذلك مسكوت عن قدره ، وصفته ؛ وإن كان المفهوم من الحديث أن عقاب من فعل ذلك : أشد عليه من أن يضرب بمخيط في رأسه .
وأما الحديث الآخر : فورد لبيان واسع رحمة الله ، وعظيم فضله على التائبين ، وبيان فضل التوبة ، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأن الحسنات يذهبن السيئات ، ولذلك جاء في الحديث الصحيح : ( وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ) رواه الترمذي (1987) ، وصححه ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع" (97) .
فالأول في بيان عظيم الجرم ، والثاني في بيان فضل الله على عباده ، وأن العبد إذا استوجب العقاب بالذنب الموجب للعقاب والنكال ، ثم تاب ، وأتبع السيئة التي عملها بحسنة ماحية : تاب الله عليه ، ومحا عنه سيئته .
والعبد المسلم إذا أذنب فهو في مشيئة الله :
- فإن شاء عفا عنه لأول وهلة ، فالله يرحم من يشاء ويعذب من يشاء .
- وإن شاء آخذه بذنبه وعاقبه عليه .
- وإن شاء محاه عنه بالتوبة ، أو بحسنات ماحية ، أو برحمة أرحم الراحمين ، أو بغير ذلك من أسباب رحمة الله لعبيده ، وعفوه عنهم ، وكرمه وتفضله عليهم .
- وإن شاء كفره عنه بالبلاء من مرض أو فقر أو غير ذلك .
فلا يلزم إذا فعل العبد سيئة أن يعاقب عليها ، أو يبتلى ، فقد يفعلها ويتوب ، فيتوب الله عليه ولا يؤاخذه بها ، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .
انظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (21183) ، والسؤال رقم : (163383) .
والله أعلم .