0 / 0
62,14019/08/2014

هل ستر المرأة وجهها من القضايا الخلافية التي لا ينكر فيها على المخالف ؟

السؤال: 219722

أُريد منكم الرد بالتفصيل على من يقول : إنه يوجد خلاف بين العلماء في كشف الوجه ، ولا بأس بكشف وجه المرأة .
وهل يدخل في ” من تتبع الرخص فقد تزندق ” ؟
وهل يختلف حكم كشف الوجه من مجتمع يتحجبون إلى مجتمع آخر يكشفون الوجه ؟
ومتى فرض تغطية الوجه . وهل كان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم يكشفن وجوههن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ينبغي للعالم ولطالب العلم المتمرس في علوم الشريعة الإسلامية ، أن يرجح كل واحد منهما ما ترجح لديه من الأقوال ، حسب الأدلة الشرعية ، ثم إن اعتقاده أو غلبة ظنه أن هذا القول هو الراجح ، لا ينفي أن تكون المسألة خلافية اجتهادية ، اختلف فيها اجتهاد العلماء .

وقد ذكرنا في عدة فتاوى سابقة : أن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة الشرعية ، هو وجوب ستر المرأة جميع بدنها (بما فيه الوجه) عن الرجال الأجانب عنها ، وانظر الفتاوى رقم : (11774) ، (21134) ، (100719) ، (13998) .

وذكرنا – أيضا – أن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء ، وانظر الفتاوى رقم: (146360) ، (12525) ، (21536) .

ولا ينبغي للعالم أو المفتي أن يلزم الناس بأن يأخذوا بقوله ، ما دام القول الآخر قد قال به علماء آخرون ، وتحتمله الأدلة الشرعية .
قال الإمام أحمد رحمه الله :
” لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ، ولا يشدد عليهم ” انتهى من ” الآداب الشرعية والمنح المرعية ” لابن مفلح (1/ 166) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد ، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (30/ 80) .

ثانيا :
هذا الحكم لا يختلف من بلد إلى آخر ، بل الموقف من هذه المسائل الاجتهادية واحد في كل مكان ، غير أن العامي يلزمه أن يعمل بفتوى علماء بلده في الفتاوى التي تتعلق بالشأن العام ، أما القضايا الخاصة به كحكمٍ في صلاة أو صيام أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يقلد أي عالم ما دام أهلا للفتوى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لا شك أن من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عالماً بشروطه ، هل هو منكر أو غير منكر ؟ وبعض الناس إذا رأى أحد رجال الهيئة يعترض على امرأة كاشفة الوجه يقول : لا يجب عليك أن تنكر؛ لأنها لا تخلو من حالتين : إما أن تكون مسلمة ترى عدم وجوب ستر الوجه ، وإلا فتكون كافرة ، فلا يجب في الأصل أن تحتجب ، هل ما يقول هذا صحيح ، أو غير صحيح ؟
فأجاب :
” لا. هذا غير صحيح ؛ لأن المعاصي قسمان : قسم لا تضر إلا صاحبها ، فهذا ندعه ورأيه إذا كان أهلاً للاجتهاد ، وقسم تضر غيرَ صاحبِها ، ولا شك أن كشف المرأة وجهها لا يختص ضررُه بها هي ، بل يضر غيرها ؛ لأن الناس يفتتنون بها ، وعلى هذا يجب أن تنهاها سواء كانت كافرة أو مسلمة ، وسواء كانت ترى هذا القول أو لا تراه ، انْهَهَا ، وأنت إذا فعلت ما فيه ردع الشر سلمت منه .
أما ما كان لا يضر إلا صاحبه ، مثل رجل يشرب الدخان ، وقال : أنا أرى حله ، ولا أرى أنه حرام ، وعلمائي يقولون : إنه حلال ، فهذا ندعه إذا كان عامياً ؛ لأن العامي قوله قول علمائه ، فإذا قال : أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه ؛ لأن هذا لا يضر إلا نفسَه ، إلا إذا ثبت صحياً أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته ، قد نمنعه من هذه الناحية ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (34/ 11، بترقيم الشاملة آليا) .

وسئل أيضا : هل ينكر على المرأة التي تكشف الوجه ، أم أن المسألة خلافية ، والمسائل الخلافية لا إنكار فيها؟
فأجاب :
” لو أننا قلنا : المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق ، لذهب الدين كله ؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين العلماء ……
والمسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : اجتهادية يسوغ فيها الخلاف ؛ بمعنى : أن الخلاف ثابت حقاً وله حكم النظر ، فهذه لا إنكار فيها على المجتهد ، أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم ؛ لئلا ينفلت العامة ؛ لأننا لو قلنا للعامي : أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به ، لم تكن الأمة أمة واحدة ، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : العوام على مذهب علمائهم .
فمثلاً : عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها ، فنحن نلزم نساءنا بذلك ، حتى لو قالت لنا امرأة : أنا سأتبع المذهب الفلاني وكشف الوجه فيه جائز، قلنا : ليس لكِ ذلك ؛ لأنكِ عامية ما وصلتِ إلى درجة الاجتهاد ، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة ، وتتبع الرخص حرام .
أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول : إن امرأتي سوف أجعلها تكشف وجهها .
قلنا : لا بأس ، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه ، يمنع من هذا ؛ لأنه يفسد غيره ، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى ، فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه ، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه ، ولأمر آخر وهو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة ، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة .
أما إذا ذهب إلى بلاده فلا نلزمه برأينا ، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها .
القسم الثاني من قسمي الاختلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه ، فينكر على المخالف فيه ؛ لأنه لا عذر له” اهـ . انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (49/ 14، بترقيم الشاملة آليا).

ثالثا :
فرض الحجاب في العام الخامس من الهجرة ، كما أخرج البخاري (6238) عن أنس قال : ” وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْش ”
وقال صالح بن كيسان :
” نزل حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ” رواه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (8/175) .

وأجمع العلماء على فرضية الحجاب الكامل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وبالقطع إلتزمن جميعا بهذا الحكم ، ولم تكشف واحدة منهن وجهها بعد فرضية الحجاب .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android