0 / 0

الزوج القاسي

السؤال: 219214

أنا طبيبه متزوجة من 7 سنوات ، وزوجي أيضا طبيب ، لكن علي مدار الـ7 سنوات حصل بيننا كثير من المشكلات ، مما أدي للانفصال مرتين من قبل ، وهو مشكلته الأساسية الغيرة المفرطة التي بسببها منعني من شغلي ومن أصدقائي ، ومن كل الناس ، بدعوي أن المرأة إنما خلقت للبيت فقط ، وليس من الواجب عليه أن يخرجني إلا معه فقط في الأماكن العامه والمنتزهات ، وهو أيضا يفتقد لكثير من اللين في المعاملة ، ليس معي فقط ، لكن مع أطفالي الصغار ، فمنذ فتره قام بضرب طفلي الذي لم يتجاوز 6 سنوات علي وجهه وأذنه ، وهو حتى الآن يتألم ، وهذا من شهور فاتت ، وليست هذه هي المرة الأولى ، وكلما رأيت ابني يتألم أحس بذنبه …
سؤالي هو : أنا لا أشعر معه أبدا بالأمان ، وإذا صبرت معه أكتر : ستضيع علي فرصة تسجيل دراسات عليا في شغلي ، لأن لها سنا يجب أن أبدأ بها .. وللعلم في خلال الفترة الماضية لا أنكر أني غيرت منه شيئا من طباعه ، لكن قليلا جدا .
فماذا افعل؟ أظل هكذا علي أمل أن يتغير؟ أم أنفصل عنه أنا وأولادي ، لأني لم أعد أطيق طباعه المتشددة هذه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

.

أولا :

غيْرة الرجل على أهله ، ومحارمه : من الصفات التي يُمدح عليها الإنسان ، وقد أكدها الإسلام ، وحث عليها، وقد تعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة غيْرة سعد بن عبادة رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا أغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ) رواه البخاري (6846) مسلم (1499).

والغيرة منها ما هو ممدوح ومنها ما هو مذموم.

وقال ابن القيم رحمه الله في”روضة المحبين” (296) :

وغيرة العبد على محبوبه نوعان : غيرة ممدوحة يحبها الله ، وغيرة مذمومة يكرهها الله ، فالتي يحبها الله : أن يغار عند قيام الرِّيبة ، والتي يكرهها : أن يغار من غيْرِ رِيبة ، بل من مجرد سوء الظن ، وهذه الغيْرة تفسد المحبة ، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه .”

ثانيا :

لاشك أن للزوج حقا مؤكدا على زوجته ، فهي مأمورة بطاعته ، وحسن معاشرته ، وتقديم طاعته على طاعة أبويها وإخوانها ، بل هو جنتها ونارها ، ومن ذلك : قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم ) النساء/34 .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ) رواه أحمد (1661) وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (660)

قال الألباني رحمه الله في “آداب الزفاف” (282) :

” فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات ”

وليس المطلوب منك الآن أن تجاهدي نفسك على طاعته ، لا ؛ بل المطلوب أن تشعريه بحرصك أنت على ذلك ، وحرصك على إرضائه ، وحرصك على حسن طاعته ، وأنك تعلمين أن في ذلك طاعة لله عز وجل ، وأنك تقومين بواجبك الأسري : عن محبة ، لا عن كراهية وتأفف وتضجر .

ثالثا :

جميل فيك حرصك على إكمال دراستك ، والأجمل منه هو محافظتك على بيتك وزوجك وأولادك ، فإن استطعت الجمع بينهما بعد موافقة زوجك بحسن العرض عليه ، والتحاور معه ، وعدم إهمال المنزل والأولاد فهو أفضل ، وإن لم تستطيعي فالأولى ترك الدراسة ، ورحم الله الصحابي الجليل أبي بن كعب حين قال : “مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئًا ، لَا يَتْرُكَهُ إِلَّا لِلَّهِ ، إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” “الزهد لأبي داود” (191) .

إننا لا نرى لك مطلقا أن تفكري في هدم بيتك ، من أجل تحصيل مصلحة إكمال الدراسة ، وهي مصلحة لا ندري ما يكون من شأنها ، ولا يكون من ورائها ، مع امرأة مطلقة ، لا قدر الله ، عندها أطفال ؛ فمتى تفرغ للقيام بشأن أطفالها ، وأداء دور الأب والأم لهم ، وماذا يبقى لدراستها وشأنها ، وفوق ذلك كله : ماذا يبقى لها من دينها ؟!

رابعا :

القسوة الصادرة من زوجك عليك وعلى أولادك والتي أشعرتك بعدم الأمن ربما يكون للمشكلات بينكما دخل فيها ، أو على الأقل في زيادة حدتها ، وهذا أمر مفهوم .

وحينئذ ، فالذي ينبغي عليك : أن تعيدي تهيئة جو الأسرة والبيت ، قدر ما تطيقين ، ليكون محضنا طبيعيا هادئا ، قدر الطاقة ، تقل فيه المشكلات إلى حد ما يمكن ، حتى ولو تركت بعض الحق الذي لك ، حسبة عند الله ، حتى لو صبرت على بعض الشدة والأذى واللأواء .

يا أمة الله ؛

إن من يطلب دنيا ، بلا مشكلات ، ولا منغصات : هو شخص لم يعرف ما الدنيا وما تكون !!

إن من يطلب شخصا : زوجا ، أو صديقا ، أو رفيقا ، بلا عيب ، ولا نقصان : هو شخص لا يعرف من هم بنو آدم !!

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً       صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ       مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى       ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه

ولهذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم : أن المؤمن العاقل : لا تستحكم الكراهة بينه وبين زوجته المؤمنة .

وأن المؤمنة العاقلة : لا تستحكم الكراهة بينها وبين زوجها المؤمن ؛ فمهما رأى أحدهما جانبا مظلما ، فلا بد أنه واجد من الخير ، ما يعينه على إكمال المسيرة .

ومهما وجدا عيبا ، فلا بد أنه واجد من الخير والمصلحة ، ما يحمله على الرضا ، أو الصبر والتعايش .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1496) .

فاستعيني بالله ، يا أمة الله ، وأكملي مسيرك مع زوجك ، وأكملي معه الطريق ، واصبري على الأذى واللأواء والأشواك ، فهذا شأن هذه الحياة .

نعم ؛ يتفاوت الناس في ذلك ، فمن مقل ومستكثر ، لكن لا أحد يخلو عيشه من هم وغم وتنغيص .

ومهما وجدت من عيب ، أو شدة ، فهي مرض ، إما أن يزول ، أو نتكيف نحن معه ، إلى أن نلقى الله ، وقد أدينا الأمانة ، أمانة العرض الذي حفظناه ، وأمانة الزوج ، وأمانة الولد ، وفوق ذلك كله : أمانة الدين وطاعة الله .

إننا نرى أن مفتاح الخير ، ومفتاح التفاهم بينكما قد لمستيه أنت بنفسك : لقد تمكنت من تغيير بعد طباع زوجك ، ومواقفه ؛ وهذا أمر حسن ، وخطوة كبيرة في طريق الإصلاح ، لكنه ذلك يحتاج إلى فطنة وحكمة منك ، فابدأي معه طريق الإصلاح وأنت تتفهمين أمرين : أن نبدأ بحل المشكلة الأكبر التي تهدد عيشك مع زوجك ، حتى لو أجلنا بعض المشكلات ، أو احتملناها دهرا طويلا .

ثم اجعلي محاولتك في تفكيك العقدة التي يغلب على ظنك أنه بمقدورك تفكيكها فعلا ؛ فعلى سبيل المثال : إذا كان عندك مريض بفقدان المناعة ، أو مرض آخر عضال ، لا تعلمين له ـ بصفتك طبيبة ـ علاجا ، وعند المريض غيره من الأمراض المعتادة ؛ فهل من الحكمة في شيء: أن نتركه بأمراضه ، لأن عنده مرضا عضالا ، لا نقدر على دوائه ؟! وهل من الحكمة أن نستفرغ كل طاقتنا في مرض عضال ، استعصى علينا دواؤه ، ونترك ما في أيدينا علاجه ؟

إن علاج الصغير الممكن : ربما قادنا إلى أبواب من الخير ، لا نعلمها ، ولم تكن لنا على بال.

ولنفترض أننا عجزنا عن ذلك العلاج ، وعجزنا عن إصلاح شيء ، وهو ما لا نظنه ، بدليل كلامك أنت ؛ أفلا تقدرين معنا ، يا أمة الله ، معاناة : أم لأطفال ، وهي في عمر مبكر ، مثل عمرك ؟

كيف ستكملين العيش مع أطفالك ، في مجتمع كمجتمع الناس اليوم ، بكل قسوته ، وفظاظته ، وإهماله ، وبكل ما ترين وتعرفين ؟!!

أم ستتركين أطفالك ، تتركينهم لأبيهم الذي يقسو عليهم ، بحسب كلامك ووصفك ؛ وبدلا من أن تكوني قريبة كل القرب ، بدلا من أن تكون يدك يد الطبيب الحاني ، الذي يضمد الجرح ، ويكفكف الدمع ، بدلا من ذلك كله : إذا أنت تبتعدين ، وتتركينهم للمعاناة ، ولا يد لهم ، سوى يد الوالد ، الذي ذكرت ، ومعه : يد أخرى ، لزوجة أبيهم !!

أم تراك تنقلينهم من يد أبيهم ، إلى يد زوج أمهم ؛ الرجل الغريب !!

لا تحسبي ، يا أمة الله ، أننا لا نقدر معاناتك ، لا تحسبي أننا لا نشعر بذلك ، لكن فقط نحن نفكر معك بهدوء : وما البديل ؟!

استعيني بالله يا أمة الله ، واصبري ؛ فإن النصر مع الصبر ، وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا .

يسر الله لك أمرك ، وأصلح لك زوجك ، ووطأ لك عيشك ، وجمع بينك وبين زوجك وأولادك على خير حال .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android