0 / 0
127,30217/01/2015

نزل القرآن على سبعة أحرف ، فكيف نزلت هذه الأحرف السبعة ؟

السؤال: 215540

عندي شبهة أتعبتني حول طريقة نزول الأحرف والقراءات القرآنية .
1- كيف نزلت الأحرف السبعة ؟ هل كان جبريل عليه السلام يكرر على مسمع النبي عليه الصلاة والسلام نفس الآية بعدة أحرف ( لهجات ) ، أم إنه قرأ الآية مرة واحدة ، والأحرف المختلفة نزلت بنوع آخر من أنواع الوحي ؟
2- كيف نزلت القراءات القرآنية ؟ هل بطريقة التكرار أم نوع وحي آخر ؟ وإذا كانت القراءات نزلت بطريقة تكرار نفس الآية على مسمع النبي ، فهذا يعني أن الآيات تكررت 7 مرات (عدد الأحرف السبعة) + عدد مرات اختلاف القراءات ؟
3- هل القراءات القرآنية التي نقرؤها اليوم هي أوجه مختلفة لحرف قرآني واحد ( حرف العرضة الأخيرة ) أم إنها باقية من جميع الأحرف الأخرى ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
نزل القرآن على حرف واحد أول الأمر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستزيد جبريل عليه السلام حتى أقرأه على سبعة أحرف .

وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ” إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أُولَى الْقُرَّاءِ ، فَوَجَدْتُهُمْ مُتَقَارِبِينَ ، فَاقْرَءُوهُ كَمَا عُلِّمْتُمْ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ : هَلُمَّ وَتَعَالَ ” رواه ابن أبي شيبة (6/ 127) .

ثانيا :
القراءات السبعة هي ـ جميعا ـ طرق متنوعة ، في أداء حرف واحد من هذه الأحرف السبعة ، وهو الحرف الذي كتب به المصحف العثماني الإمام ، الذي جمع عثمان رضي الله عنه عليه المسلمين . فإنه لما بلغه اختلاف الناس ، وجاءه حذيفة رضي الله عنه وقال : أدرك الناس ، استشار الصحابة الموجودين في زمانه كعلي وطلحة والزبير وغيرهم ، فأشاروا بجمع القرآن على حرف واحد حتى لا يختلف الناس ، فجمعه رضي الله عنه , وكَوَّن لجنة رباعية لهذا , يرأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه , فجمعوا القرآن على حرف واحد ، وكتبه ووزعه في الأقاليم حتى يعتمده الناس ، وحتى ينقطع النزاع .

فالقراءات السبع أو القراءات العشر موجودة في نفس ما جمعه عثمان رضي الله عنه ، في زيادة حرف ، أو نقص حرف ، أو مد ، أو شكل للقرآن , كل هذا داخل في الحرف الواحد الذي جمعه عثمان رضي الله عنه .

قال ابن الجزري رحمه الله :
” ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْعُثْمَانِيَّةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ رَسْمُهَا مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَطْ ، جَامِعَةٌ لِلْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا ، لَمْ تَتْرُكْ حَرْفًا مِنْهَا .
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ صَوَابُهُ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالْآثَارَ الْمَشْهُورَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَشْهَدُ لَهُ … ” انتهى من ” النشر في القراءات العشر ” (1/31-32) .

وقال السيوطي رحمه الله :
” أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ : الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَرَّةً ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ ، فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ ، وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ ” انتهى من ” الإتقان ” (1/177) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” القول المرضي عند علماء السلف ، الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة : أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه ، هو أحد الحروف السبعة وهو العرضة الأخيرة ، وأن الحروف الستة خارجة عن هذا المصحف . وأن الحروف السبعة كانت تختلف الكلمة ، مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد ” انتهى من ” الصارم المسلول ” (ص 126) .

انظر إجابة السؤال رقم : (5142) ، والسؤال رقم : (125091) ، وينظر فوائد عديدة حول ذلك الأمر ، للشيخ الدكتور مساعد الطيار ، في كتابه : ” المحرر في علوم القرآن ” (ص 87) وما بعدها .

ثالثا :
طريقة تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن من جبريل عليه السلام :
كان جبريل عليه السلام يقرأ ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت ، فإذا فرغ جبريل من قراءته ، ردد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ، وذلك القرآن كله بأحرفه .
روى البخاري (3219) ، ومسلم (819) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ) .
وروى البخاري (5044) ، ومسلم (448) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ : ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) ، قَالَ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي : ( لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ ) ، ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ ( وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ” قَالَ : ” إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ ” ، قَالَ : ” وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ ” .

قال ابن كثير رحمه الله :
” يَعْنِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ ، كُلَّمَا قَالَ جِبْرِيلُ آيَةً قَالَهَا مَعَهُ ، مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ ، فَأَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَا هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَخَفُّ فِي حَقِّهِ ؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ . فَقَالَ : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أَيْ : أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا ، ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أَيْ : بَلْ أَنْصِتْ ، فَإِذَا فَرَغَ الْمَلَكُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ ، فَاقْرَأْهُ بَعْدَهُ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (5/319) .

قال ابن عثيمين رحمه الله :
” والقرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله عز وجل تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة ، كلاما سمعه جبريل ، ثم تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (4/631) .

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :
” مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تكلَّم به وألقاه إلى جبريل الروح الأمين ، فنزل به فأوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فألقاه على سمعه وقلبه ” انتهى .
http://vb.tafsir.net/tafsir3813/#.VEDSAig3-HQ

رابعا :
كان جبريل يأتيه تارة في صورة رجل ، وتارة يأتيه مثل صلصلة الجرس .
روى البخاري (2) ، ومسلم (2333) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ” وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا ” .

فكل ما نزل من القرآن بأحرفه السبعة فسبيله ما تقدم ، وكيفية ذلك على التفصيل لا يعلمها إلا الله ، إلا أن المقطوع به أن جبريل عليه السلام نزل بالقرآن كله بأحرفه كلها على محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان يقرأ عليه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت ويعي ، فإذا فرغ ردد ما سمعه منه .

ولا يلزم أن يكون ذلك التكرار حاصلا في كل آية ؛ فالظاهر أن تنوع الحروف إنما هو في مواضع وآيات ، معينة ، لا في كل آية ، ولا في كل موضع .
ثم لا نعلم ما وراء ذلك ، من كيفية إحصاء الأحرف السبعة ، وتكرارها ، وعرضها من النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام .

على أننا نعود إلى تنبيه القارئ الكريم ، إلى أن قضية ” الكيفية ” في تلقي هذه الأحرف : لا يتعلق بها كبير شيء ، ولا فيها ذلك الإشكال الذي ينبغي أن يحيره ، فالذي يعنينا أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، وأن مصحف عثمان ، هو في القول الظاهر عند أهل العلم : حرف واحد منها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع القرآن من جبريل ، وجبريل قد سمعه من رب العالمين ، وهذا : حد ، كاف ، شاف ، في هذا المقام ، لا يترتب على ما رواءه عمل ، كبير ولا صغير .

وراجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (177136) ، والسؤال رقم : (178120) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android