زوجي تزوج قبلي بأجنبية وله منها ابن ، فمشكلتي هي أنه يقضي معظم أوقات فراغه مع ابنه ويبيت أحيانا عنده رغم وجود أم الطفل الغير المسلمة في منزلها ، بينما أنا أبقى لوحدي ، وليس لي أولاد ، ولا أعمل ، كما أننا نعيش في الغربة ، وعندما أطالبه بحقوقي ينهرني ولا يبالي لمشاعري ، والأخير يقول أنه يخشى على ابنه من التربية الغير المسلمة ، فما حكم الشرع فيما ذكرت ؟ وهل أنا مخطئة في مطالبتي بحقوقي ؟
زوجها يبيت عند مطلقته الكافرة بحجة رعاية ابنه منها
السؤال: 214873
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقة واحدة أو طلقتين ، وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، فلا يحل له الخلوة بها ، ولا المبيت عندها في بيتها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها ، وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (89979).
وعلى ذلك : فإن ما يفعله زوجك من المبيت عند طليقته في بيتها أمر محرم لا يجوز ؛ لأنه لا يخلو من اختلاء بها ، أو خلطة على وجه محرم .
ثم كون هذه الخلوة مع طليقته ذريعة قوية للفتنة والوقوع فيما حرمه الله سبحانه ، وكون هذه الطليقة غير مسلمة : ذريعة أخرى أيضا للفتنة ، لأنها فقدت الإيمان بالله سبحانه ، ومن فقد الإيمان بالله يسهل تسلط الشيطان عليه وإغواؤه ، قال تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل/ 98 – 100 .
وحاصل ذلك كله : أن ما يفعله زوجك من المبيت عند طليقته أمر محرم لا يجوز ، والواجب عليه أن ينتهي عنه فورا .
ثانيا:
بخصوص حضانة طليقته الكافرة لطفله : فهذا محل خلاف بين أهل العلم ، وقد حكى الخلافَ ابنُ قدامة رحمه الله ، فقال في ” المغني ” (8 / 237): ” ولا تثبت – أي الحضانة – لكافر على مسلم ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ، والعنبري ، وقال ابن القاسم وأبو ثور ، وأصحاب الرأي: تثبت له ” انتهى.
والرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور : من عدم جواز حضانة الكافرة للطفل المسلم ، كما سبق بيانه جواب السؤال رقم : (21516 ) ، بل لا ينبغي الإفتاء بخلاف هذا القول ، خصوصا إذا بلغ الطفل سن الفهم والتمييز ، إذ كيف يترك حينئذ بحيث يكبر على سماع الكفر ، ويتربي على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى ترك الصلاة ، والإفطار في رمضان ، وشرب الخمر ، وغير ذلك من المفاسد ؟ وهل هناك فتنة له في دينه وخلقه أعظم من هذه الفتنة وأشنع ؟ فعلى زوجك أن يحتال لينتزع ابنه من حضانة هذه المرأة الكافرة ، قبل فوات الأوان .
ثالثا :
لا شك أن لك كزوجة حقوقا على زوجك ، ثبتت بحكم الشرع الشريف ، وقد سبق بيان هذه الحقوق مفصلة بأدلتها في الفتوى رقم : (10680) .
وجماع هذه الحقوق في قول الله سبحانه للأزواج : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )النساء/19 ، ولا شك أن من العشرة بالمعروف أن يجعل الزوج لزوجته شيئا من الوقت يحادثها وتحادثه ، ويؤانسها فيه ، فإن هذا مما يجلب المودة ويزيد الألفة بينهما ، وقد كان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ، على الرغم من انشغاله بأمور الدعوة والتعليم والجهاد وغيرها من الأمور الكبار .
أخرج البخاري (1119) وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا ، فيقرأ وهو جالس ، فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين – أو أربعين – آية قام فقرأها وهو قائم ، ثم يركع ، ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك ، فإذا قضى صلاته نظر: فإنْ كنتُ يَقْظى تحدَّثَ معي ، وإنْ كنتُ نائمةً اضطجَعَ ” .
فهذا فعله مع عائشة رضي الله عنها ، وحديثه معها عقب قيام الليل إذا كانت مستيقظة .
وأخرج البخاري (2035) ، ومسلم (2175) عن علي بن الحسين رضي الله عنهما: ” أن صفية – زوج النبي صلى الله عليه وسلم – أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت تنقلب ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ، مر رجلان من الأنصار ، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي ) ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا ) .
فهذا حديثه صلى الله عليه وسلم مع زوجته صفية وهو معتكف ، حتى أخذ العلماء منه جواز حديث الرجل مع غيره وهو في اعتكافه .
جاء في ” فتح الباري ” لابن حجر (4 / 280): ” وفي الحديث من الفوائد : جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة ، من تشييع زائره ، والقيام معه ، والحديث مع غيره ” انتهى.
على أنه ينبغي لك أن تصبري على أمر زوجك ، وتتلطفي في إيصال ذلك له ، خشية أن يزيده إلحاحك عنادا ، أو نفرة منك ، وأبدي له استعدادك لحضانة ولده في منزلك ، إذا تمكن من نزع حضانته من أمه الكافرة ، فهذا باب من الإحسان إلى زوجك ، والإحسان إلى هذا الولد ، وهو أهم : ألا يتربى في حضانة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة