0 / 0
14,79813/02/2014

أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم النحر في حجة الوداع ؟

السؤال: 209327

هل الحديث التالي صحيح ؟
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعْنِي رَاجِعًا” ‏.‏
صحيح (الألباني) .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى مسلم (1308) عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى ” ، قَالَ نَافِعٌ : ” فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى ، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ” .

وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( … ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ )
رواه مسلم (1218) .

فاختلف العلماء في هذين الحديثين الصحيحين :
1 – فمنهم من جمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف الإفاضة ثم صلى الظهر بمكة أول وقتها ، ثم رجع إلى منى فصلى بهم الظهر مرة أخرى ، فكانت الأولى له فرضا ، والثانية نافلة .
قال النووي رحمه الله :
” وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى بِأَصْحَابِهِ حِينَ سَأَلُوهُ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بِمِنًى ” .
انتهى من “شرح النووي على مسلم” (8/ 193) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” فَإِنْ عَمِلْنَا بِهِمَا : أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوَجَدَ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُجُوعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا ، وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ ” انتهى من “البداية والنهاية” (7/ 622) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
” وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ .
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَوَجَدَ أَصْحَابَهُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ مُتَنَفِّلًا ، لِأَمْرِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ لِمَنْ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ وَقَدْ صَلَّى ” انتهى من “نيل الأوطار” (5/ 86) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
” اختلف العلماء- رحمهم الله- في هذا :
فمنهم من سلك طريق الترجيح ، ومنهم من سلك طريق الجمع .
والصحيح سلوك طريق الجمع ، لأن الحديثين كلاهما صحيح بلا شك ، وإذا صح الحديثان، وأمكن الجمع : لم يُعدَلْ إلى الترجيح.
والجمع بينهما ممكن ، بأن يقال: إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – صلى الظهر بمكة ، ثم خرج إلى منى ، فوجد بعض أصحابه لم يصل ، فصلى بهم إماما، فصلاته في منى معادة ، كما كان يفعل معاذ رضي الله عنه مع قومه ، يصلي مع النبي – صلى الله عليه وسلم – العشاء ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (24/ 550) .

وقيل في الجمع غير ذلك .
قال العيني رحمه الله :
” وَقَالَ محب الدّين الطَّبَرِيّ : الْجمع بَين الرِّوَايَات كلهَا مُمكن، إِذْ يحْتَمل أَن يكون صلَّى مُنْفَردا فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ ، ثمَّ مَعَ جمَاعَة فِي الآخر، أَو صلى بِأَصْحَابِهِ بمنى ، ثمَّ أَفَاضَ فَوجدَ قوما لم يصلوا فصلى بهم ، ثمَّ لما رَجَعَ إِلَى منى، وجد قوما آخَرين فصلى بهم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يتقدمه أحد فِي الصَّلَاة .
أَو كرر الصَّلَاة بِمَكَّة وَمنى : ليتبين جَوَاز الْأَمريْنِ فِي هَذَا الْيَوْم ، توسعة على الْأمة .
وَيجوز أَن يكون أذن فِي الصَّلَاة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ فنسبت إِلَيْهِ ” .
انتهى من “عمدة القاري” (10/ 69) .

2 – ومنهم من رجح حديث جابر ، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النحر بمكة .
قال ابن القيم رحمه الله :
” اخْتَلَفَ النَّاس فِي ذَلِكَ , فَرَجَّحَتْ طَائِفَة , مِنْهُمْ اِبْن حَزْم وَغَيْره , حَدِيث جَابِر وَأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة .
قَالُوا : وَقَدْ وَافَقَتْهُ عَائِشَة , وَاخْتِصَاصهَا بِهِ وَقُرْبهَا مِنْهُ , وَاخْتِصَاص جَابِر , وَحِرْصه عَلَى الِاقْتِدَاء بِهِ , أَمْر لَا يُرْتَاب فِيهِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَة وَحَلَقَ رَأْسه , وَخَطَبَ النَّاس , وَنَحَرَ مِائَة بَدَنَة هُوَ وَعَلِيّ , وَانْتَظَرَ حَتَّى سُلِخَتْ , وَأَخَذَ مِنْ كُلّ بَدَنَة بِضْعَة , فَطُبِخَتْ وَأَكَلَا مِنْ لَحْمهَا . قَالَ اِبْن حَزْم : وَكَانَتْ حَجَّته فِي آذَار , وَلَا يَتَّسِع النَّهَار لِفِعْلِ هَذَا جَمِيعه , مَعَ الْإِفَاضَة إِلَى الْبَيْت وَالطَّوَاف وَصَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مِنًى , وَوَقْت الظُّهْر بَاقٍ ” انتهى من “تهذيب السنن” (1/269-270) .

3 – ومنهم من رجح حديث ابن عمر ، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النحر بمنى .
قال ابن القيم :
” وَقَالَتْ طَائِفَة , مِنْهُمْ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة وَغَيْره : الَّذِي يُرَجِّح أَنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى , وُجُوه :
أَحَدهَا : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة ، لَأَنَابَ عَنْهُ فِي إِمَامَة النَّاس بِمِنًى إِمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْر , وَلَمْ يَنْقُل ذَلِكَ أَحَد . وَمُحَال أَنْ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ الظُّهْر بِمِنًى نَائِب لَهُ , وَلَا يَنْقُلهُ أَحَد .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ بِمَكَّة لَكَانَ أَهْل مَكَّة مُقِيمِينَ , فَكَانَ يَتَعَيَّن عَلَيْهِمْ الْإِتْمَام , وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” أَتِمُّوا صَلَاتكُمْ فَإِنَّا قَوْم سَفْر ” كَمَا قَالَهُ فِي غُزَاة الْفَتْح .
الثَّالِث : أَنَّهُ يُمْكِن اِشْتِبَاه الظُّهْر الْمَقْصُورَة بِرَكْعَتَيْ الطَّوَاف , وَلَا سِيَّمَا وَالنَّاس يُصَلُّونَهُمَا مَعَهُ , وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهِمَا فَظَنَّهُمَا الرَّائِي الظُّهْر .
وَأَمَّا صَلَاته بِمِنًى وَالنَّاس خَلْفه : فَهَذِهِ لَا يُمْكِن اِشْتِبَاههَا بِغَيْرِهَا أَصْلًا , لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَام الْحَجّ الَّذِي لَا يُصَلِّي لَهُمْ سِوَاهُ , فَكَيْف يَدَعهُمْ بِلَا إِمَام يُصَلُّونَ أَفْرَادًا ، وَلَا يُقِيم لَهُمْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ ؟ هَذَا فِي غَايَة الْبُعْد .
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ جَمَاعَة – مِنْهُمْ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره – أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى , ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى الْبَيْت بَعْد مَا صَلَّى الظُّهْر , لِأَنَّهَا قَالَتْ : ” أَفَاضَ مِنْ آخِر يَوْمه حِين صَلَّى الظُّهْر , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى ” . قَالُوا : وَلَعَلَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِأَصْحَابِهِ , ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَكَّة فَصَلَّى الظُّهْر بِمَنْ لَمْ يُصَلِّ , كَمَا قَالَ جَابِر , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَرَأَى قَوْمًا لَمْ يُصَلُّوا فَصَلَّى بِهِمْ ثَالِثَة , كَمَا قَالَ اِبْن عُمَر .
وَهَذِهِ حَرْفَشَة فِي الْعِلْم , وَطَرِيقَة يَسْلُكهَا الْقَاصِرُونَ فِيهِ , وَأَمَّا فُحُول أَهْل الْعِلْم , فَيَقْطَعُونَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ , وَيُحِيلُونَ الِاخْتِلَاف عَلَى الْوَهْم وَالنِّسْيَان , الَّذِي هُوَ عُرْضَة الْبَشَر .
وَمَنْ لَهُ إِلْمَام بِالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَة بِحِجَّتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يقْطَع بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْر فِي ذَلِكَ الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات بِثَلَاثِ جَمَاعَات , بَلْ وَلَا مَرَّتَيْنِ ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا عَلَى عَادَته الْمُسْتَمِرَّة قَبْل ذَلِكَ الْيَوْم وَبَعْده , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَفَهِمَ مِنْهُ آخَرُونَ – مِنْهُمْ اِبْن حَزْم وَغَيْره – أَنَّهُ أَفَاضَ حِين صَلَّاهَا بِمَكَّة .
وَفِي نُسْخَة مِنْ نُسَخ السُّنَن ” أَفَاضَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ رَجَعَ ” ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة ظَاهِرَة فِي أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمَكَّة , كَمَا قَالَ جَابِر , وَرِوَايَة ” حِين ” مُحْتَمِلَة لِلْأَمْرَيْنِ , وَاَللَّه أَعْلَم ” انتهى من “تهذيب السنن” (1/270-272) .
وقال في “زاد المعاد” (2/ 283):
” الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمِنًى ” انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android