0 / 0
136,38211/06/2014

هل يجوز الدعاء على الكافرين بصيغة العموم ؟

السؤال: 203625

هل يجوز الدعاء على غير المسلمين فرديا أو جماعيا ، بتيتيم أبنائهم ، وهلاك أنفسهم وغيرها ، وهل يستوي الأمر مع المحاربين والمسالمين والساكنين في دار الإسلام أو في غيرها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
الدعاء على الكفار ، من حيث العموم ، من غير تعيين شخصٍ بعينه منهم : مشروع ، وهو نوع من مدافعتهم ، والرغبة في زوال الشَّر وأهله ؛ لا سيما المحاربين منهم .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على طوائف من الكفار ، وثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم الدعاء على الكفار ، ومن ذلك :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ : ( اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ) .
رواه البخاري (2932 ) .
قال ابن بطال رحمه الله : ” فيه جواز الدعاء على الكفار بالجوع والجهد وغيره ، قال المهلب : وإنما دعا عليهم بالسبع سنين – والله أعلم – إرادة أن يضعفهم بالجوع عن طغيانهم ؛ فإن نفس الجائع أخشع لله ، وأقرب للانقياد والتذلل ” انتهى من ” شرح صحيح البخارى ” (3/ 6) .

2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : ( مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) .
رواه البخاري (4111) .
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى : ” فيه دليل على جواز الدعاء على الكفار بمثل هذا الدعاء ، وعلى الإخبار بسبب الدعاء لإقامة العذر ” .
انتهى من ” الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ” (2/280).

3- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا) رواه البخاري (6372 ) .
قال النووي رحمه الله تعالى : ” قال الخطابي وغيره : كان ساكنو الجحفة في تلك الوقت : يهودا ، ففيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (9/150) .
وقال القرطبي رحمه الله تعالى : ” أما لعن الكفار جملة من غير تعيين ، فلا خلاف في ذلك ، لما رواه مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان .
قال علماؤنا : وسواء كانت لهم ذِمَّة أم لم تكن ، وليس ذلك بواجب ، ولكنه مباح لمن فعله ، لجحدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله ” انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (2/486) .
وقال ابن تيمية رحمه الله في ” مجموع الفتاوى ” ( 8/335 ) : ” والدعاء على جنس الظالمين الكفار : مشروع مأمور به ، وشُرع القنوت ، والدعاء للمؤمنين ، والدعاء على الكافرين ” انتهى

ثانياً :
لا يشرع الدعاء على الكافر المعيّن باللعنة ؛ لأن الملعون مطرود ومُبعَد عن رحمة الله تعالى ، وهذا الكافر المعين الحي لا نعرف بما سيختم به حياته ، فقد يكون ممن يوفقه الله للإسلام ويدخله في رحمته ، والله تعالى ربط اللعنة بالموت على الكفر قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) البقرة / 161.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة يلعنون الكفرة في القنوت وغيره .
فأمّا الكافر المعين : فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يُلعن ؛ لأنا لا ندري بما يختم الله له ، واستدل بعضهم بالآية : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
وقالت طائفة أخرى : بل يجوز لعن الكافر المعين .
واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله عليه السلام في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تلعنه ؛ فإنه يحب الله ورسوله( ، فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يُلعن ، والله أعلم ” .
انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (2/138) .
وقال ابن الملقن في كتابه ” الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ” (4/508 – 509 ) :
” ( لعن الله اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) … فيه : لعن اليهود والنصارى غير المعينين ، وهو إجماع ، سواء أكان لهم ذمة أم لم يكن ، لجحودهم الحق وعداوتهم الدين وأهله .
واختلف في لعن المعين منهم ، والجمهور على المنع لأن حاله عند الوفاة لا تعلم ، وقد شرط الله في ذلك الوفاة على الكفر بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ، وأما ما روي أنه – عليه الصلاة والسلام – لعن قوما بأعيانهم من الكفار إنما ذلك لعلمه بمآلهم ” انتهى .
وينظر أيضاً : ” مجموع الفتاوى ” ( 8/ 336 ) ، ” الآداب الشرعية ” ، لابن مفلح (1/269) .

ثالثاً :
أما الدعاء على كل الكافرين الذين هم فوق الأرض بالهلاك : فهو من الاعتداء في الدعاء .
قال الله تعالى ، مؤدباً عباده في دعائهم ربهم : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” فالاعتداء في الدعاء : تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله ، من المعونة على المحرّمات .
وتارة يسأل ما لا يفعله اللّه ، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشريّة : من الحاجة إلى الطّعام والشّراب ، ويسأله بأن يطلعه على غيبه ، أو أن يجعله من المعصومين ، أو يهب له ولدا من غير زوجة ، ونحو ذلك ممّا سؤاله اعتداء لا يحبّه اللّه ، ولا يحب سائله ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (15/22 ) .
وإذا كان المسلم يُحب أن لا يرى فوق الأرض من يكفر بالله تعالى ، فمن المعلوم- مع ذلك – أنّ الله قدّر بقاء الكفار لحكمة منه سبحانه وتعالى ، وعليهم تقوم الساعة كما ثبت في أحاديث صحيحة .
ولأجل ذلك ، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الدعاء بهلاك كل من فوق الأرض من الكافرين : هو دعاء بما قدر الله تعالى عدم وقوعه ، والدعاء بما قدر الله عدم حصوله يعتبر اعتداء في الدعاء ، والمسلم منهي عن الاعتداء في الدعاء .
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
” وقول الكاتب: ( اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود ، اللهم لا تبق أحدا منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود) والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء ؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة ، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” (24/276) .
وأبرز ما استدل به المجيزون للدعاء على كل الكفار بالهلاك ، دعاء نوح عليه السلام على قومه ، قال الله تعالى : ( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) نوح/ 26 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك ، كان بعد أن أعلمه الله أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، ومع هذا فقد ثبت فى حديث الشفاعة في الصحيح أنه يقول : ( إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أُومر بها ) ، فإنه وإن لم ينه عنها ، فلم يؤمر بها ، فكان الأولى أن لا يدعو إلا بدعاء مأمور به ، واجب أو مستحب ، فإن الدعاء من العبادات فلا يعبد الله إلا بمأمور به ، واجب أو مستحب ، وهذا لو كان مأمورا به لكان شرعا لنوح ، ثم ننظر في شرعنا : هل نسخه أم لا ؟ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (8/336) .
ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على الكفار كافة ، بل كان يخص المعتدين منهم ، ومن اشتد أذاه على المؤمنين ، كما في الأحاديث التي مرّ ذكرها ، أمّا من كان يرجو إسلامه : فكان من هديه صلى الله عليه وسلم الدعاء له .
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا‏ ؟
فَقِيلَ : هَلَكَتْ دَوْسٌ‏ !!
، قَالَ : ( اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ ) رواه البخاري ( 2937 ) .
وقد أدخل البخاري في صحيحه هذا الحديث في باب ” باب الدعاء للمشركين ليتألفهم ” .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : ” وقوله ( ليتألفهم ) من تفقه المصنف ، إشارة منه إلى الفرق بين المقامين ؛ وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم ، وتارة يدعو لهم ، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم … والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس ” انتهى من ” فتح الباري ” (6/108).
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى : ” كان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام يحب دخول الناس في الإسلام فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام ، بل كان يدعو لمن يرجو منه الإنابة ، ومن لا يرجوه ويخشى ضره وشوكته ، يدعو عليه كما دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، ودعا على صناديد قريش لكثرة أذاهم وعداوتهم ، فأجيبت دعوته فيهم ، فقتلوا ببدر ، كما أسلم كثير ممن دعا له بالهدى ” .
انتهى من ” التوضيح لشرح الجامع الصحيح ” (18/30) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android