0 / 0
141,71628/08/2013

الإجماع والقياس وتطبيقاتهما المعاصرة

السؤال: 202271

ما الفرق الواضح بين الإجماع والقياس ؟ مع ذكر أمثلة توضيحية من عصر النبي وواقعنا المعاصر.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الإجماع والقياس كلاهما من الأدلة الإجمالية التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية , والإجماع مرتبته في الأدلة الشرعية تقع بعد الكتاب والسنة .
وهو في اللغة يطلق بالاشتراك على معنيين أحدهما: العزم قال الله تعالى ” فأجمعوا أمركم ” يونس/ 71.
وثانيهما : الاتفاق ، يقال: أجمعت الجماعة على كذا إذا اتفقوا عليه .
وأما في الاصطلاح : فقد عرفه – الزركشي – رحمه الله – بقوله ” هو اتفاق مجتهدي أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من الأعصار” انتهى من ” البحر المحيط ” للزركشي (6 / 379).
فعلم من هذا التعريف أن الإجماع لا بد فيه من شروط وهي :
أولها: أن يقع الاتفاق من مجتهدي أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , فخرج به اتفاق الأمم السابقة .
ثانيها: أن يكون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , إذ لا عبرة بالإجماع في حياته .
ثالثها: قوله ” في عصر من الأعصار”؛ ليرفع وهم من يتوهم أن المراد بالمجتهدين من يوجد إلى يوم القيامة ، وهذا التوهم باطل ، فإنه يؤدي إلى عدم تصور الإجماع.
والإجماع حجة شرعية ؛ لأنه مبني على عصمة الأمة ، وأنها لا تجتمع على ضلالة وهذا ثابت بنصوص السنة المطهرة , فقد روى الترمذي (2167) عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله لا يجمع أمتي – أو قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم – على ضلالة ” صححه الألباني في ” صحيح الجامع الصغير ” برقم (1848).
وأخرج أحمد في مسنده (27224) عن أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” سألت ربي عز وجل أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة : سألت الله عز وجل أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها” .
وقد أشارت بعض النصوص القرآنية إلى تقرير ذلك الأصل أيضا ؛ فمن ذلك قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) النساء/ 115 ، فقد أوجب بهذه الآية الكريمة اتباع سبيل المؤمنين ، وحظر مخالفتهم ، فدل على صحة إجماعهم ، لأنه لو جاز عليهم الخطأ لكان المأمور باتباعهم ، مأمورا باتباع الخطأ، وما أمر الله باتباعه لا يكون إلا حقا وصوابا.
يراجع: ” الفصول في الأصول” (3/262) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” إجماع هذه الأمة حجة ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر ؛ فلو اتفقوا على إباحة محرم أو إسقاط واجب ؛ أو تحريم حلال أو إخبار عن الله تعالى ؛ أو خلقه بباطل : لكانوا متصفين بالأمر بمنكر والنهي عن معروف” انتهى من ” مجموع الفتاوى “(28 / 125).

فعلم من هذا أن الأمة المحمدية قد عصمها الله سبحانه من أن تجتمع على ضلالة أو خطأ ، وهذا له سر بينه الزركشي بقوله : ” والسر في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع أنهم الجماعة بالحقيقة ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث إلى الكافة ، والأنبياء قبله إنما بعث النبي لقومه ، وهم بعضٌ من كلٍّ ، فيصدق على كل أمة أن المؤمنين غير منحصرين فيهم في عصر واحد ، وأما هذه الأمة فالمؤمنون منحصرون فيهم ، ويد الله مع الجماعة، فلهذا – والله أعلم – خصها بالصواب” انتهى من البحر المحيط (6 / 396).

أمثلة للإجماع :
والإجماع ليس له أمثلة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما سبق بيانه من أن الإجماع لا يكون إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , قال الآمدي “وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي ، بالإجماع , وإنما يكون حجة بعد النبي عليه السلام” انتهى من ” الإحكام في أصول الأحكام ” للآمدي (1 / 213).
أما أمثلته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة , منها على سبيل المثال:
إجماع أهل العلم على تحريم بناء الكنائس في بلاد المسلمين , وقد نقل هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية , جاء في ” الفروع وتصحيح الفروع ” (10 / 338) ” ويمنعون من إحداث الكنائس والبِيَع , ذكره شيخنا (ابن تيمية) إجماعا” انتهى, وجاء في ” الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ” للمرداوي (4 / 236): ” ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ، قال الشيخ تقي الدين – رحمه الله -: إجماعا ، واستثنى الأصحاب ما اشترطوه فيما فتح صلحا على أنها لنا ” انتهى ، ونقله أيضا السبكي , جاء في ” فتاوى السبكي ” (2 / 369): ” فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع ” انتهى.

والأمثلة المعاصرة على الإجماع متعددة , منها: إجماع علماء المسلمين على حرمة تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم وسائر أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم في الأفلام والمسلسلات , وقد ذكر هذا الإجماع الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حيث قال :” أجمع القائلون بالجواز المقيد ، على تحريمه – أي التمثيل – في حق أنبياء الله ورسله – عليهم والصلاة والسلام – وعلى تحريمه في حق أمهات المؤمنين زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم ، وولده – عليهم السلام – وفي حق الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم –” انتهى من ” حكم التمثيل “(1 / 43).

وأما القياس :
فهو دليل تؤخذ منه الأحكام الشرعية , ومنزلته بعد الإجماع , وهو في اللغة يطلق على التقدير والمساواة , وأما في الاصطلاح فقد عرفه ابن قدامة بقوله : “حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما” انتهى من ” روضة الناظر وجنة المناظر ” (2 / 141).
ومعنى الحمل في قوله : ( حمل فرع على أصل ) الإلحاق والتسوية بينهما في الحكم .
وللقياس أربعة أركان : الأصل , والفرع , والحكم , والعلة الجامعة .
وتوضيح هذه الأركان بالمثال التالي , فإذا قلنا مثلا : النبيذ مسكر ، فكان حراما كالخمر؛ فإن الأصل هو الخمر ، ويسمى المقيس عليه , وهو الواقعة أو العين التي ورد النص أو الإجماع بحكمها.
والفرع هو النبيذ ويسمى المقيس , وهو الواقعة التي لم يأت نص ولا إجماع بحكمها , ويراد بيان حكمها الشرعي .
والحكم هو التحريم , ومعنى ذلك: أن يكون الحكم الذي ثبت في الأصل بنص أو إجماع من حرمة وغيرها , يراد نقله إلى الفرع الذي لم يرد فيه دليل عن الشارع بعينه .
والعلة الجامعة هي الإسكار, وتعرَّف العلة بأنها الوصف الظاهر المنضبط الذي بنى عليه الشارع الحكم في الأصل .
هذا وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم القياس في فتاواه لينبه الناس عليه ويعلمهم به , فمن ذلك :
ما أخرجه البخاري (1852) عن ابن عباس رضي الله عنهما: ” أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ ، قال: ( نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) .
ومنها ما أخرجه مسلم (1148) عن ابن عباس رضي الله عنهما: ” أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، فقال: ( أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه ؟ ) ، قالت : نعم، قال: ( فدين الله أحق بالقضاء ) .
جاء في ” الفصول في الأصول “(4 / 48) “…… ومنه حديث ابن عباس : ” أن رجلا أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : إن أبي شيخ كبير لم يحج ، أفأحج عنه؟ ، قال: ( أرأيت لو كان على أبيك دين ، أكنت تقضيه ؟ ) قال : نعم ، قال: ( فحج عنه ) ، وحديث الخثعمية حين سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت : ” إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ، وهو شيخ كبير ، لا يستمسك على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ فقال : ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان يجزي ؟ ) ، قالت: نعم ، قال: ( فدين الله أحق ) ، وروى ابن عباس : ” أن رجلا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فقال: إن أختي نذرت أن تحج فماتت ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ ) ، قال: نعم ، قال : ( فاقضوا الله ، فإنه أحق بالوفاء ) ، وفي هذه الأخبار إثبات المقايسة ، والتنبيه على الرد إلى النظائر ، وروي عن محمد بن المنكدر : ” أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن قضاء رمضان أيفرَّق ؟ فقال: ( أرأيتم لو كان لرجل على رجل دين ، فقضاه أولا فأولا ؟ ) قال: لا بأس، قال: ( فالله أحق بالتجاوز ) . فقايسه وأراه موضع الشبه والنظير.
ومنه: حديث : “عمر قال هششت فقبَّلت وأنا صائم ، فقلت: يا رسول الله ، صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبَّلت وأنا صائم ، قال : ( أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ ) ، قلت : لا بأس به ، قال: ( ففيم إذًا ) فقايسه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ورده إلى نظيره ، ثم نبهه على وجه الرد” انتهى باختصار.

وأما تطبيقات القياس المعاصرة فمنها: قياس البصمة الوراثية على القافة في معرفة النسب , فقد ذهبت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من خلال ندوتها الحادية عشرة المتعلقة بالهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني ، المقامة في الكويت في الفترة الممتدة بين 23-25 جمادى الثانية 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998 م إلى أن : ” البصمة الوراثية من الناحية العلمية ، وسيلة لا تكاد تُخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية ، والتحقق من الشخصية ، ولاسيما في مجال الطب الشرعي ، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القاطعة التي أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ، وقد أَيَّدَ هذا الموقف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته السادسة عشر التي انعقدت في مكة المكرمة في الفترة المنصرمة من 21 – 26 شوال 1421 هــ شريطة استيفاء شروطها الكاملة؛ حيث جاء في توصياته أن : ” البصمة الوراثية إذا استوفت الشروط الكاملة ، واجتنبت الأخطاء البشرية ؛ فإن نتائجها تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نَفْيِهم عنهما.
ومنها: قياس أخذ كمية من الدم بالنسبة للصائم على الحجامة , كما بيناه في الفتوى رقم: (50406) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android