0 / 0
99,06007/05/2013

هل ينجس الصيد إذا أمسكه الكلب بفمه ؟

السؤال: 197103

هل مباح أكل ما اصطدته بنفسي ولكن جاء به كلبي ؟
إن كانت الإجابة نعم ، إذن لماذا القول بأن لعاب الكلب نجس ، فلو كان نجسا ما كان الصيد مباحا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
حكم الكلب من جهة الطهارة والنجاسة سبق تفصيل الكلام عنه في موقعنا ، في الفتوى رقم : (69840) ، (133869)، وخلاصتها أننا رجحنا نجاسة ريق الكلب ، وطهارة شعره ورطوبته ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة ، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ ، كما قال تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ ) [الأنعام/119] ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة/115]. .. وإذا كان كذلك ، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال : ( طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً ، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ ، لم يذكر سائر الأجزاء ، فتنجيسها إنما هو بالقياس … وأيضاً فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث ، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك ، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة ” انتهى باختصار من ” مجموع الفتاوى ” (21/617-619) .

ثانياً :
إذا حكمنا بنجاسة ريق الكلب يبقى السؤال عن حكم ما أصاب بفمه من الصيد ، سواء صاده بنفسه ، أم أمسكه للصائد ، لا فرق بين الحالتين ، فكلاب الصيد تستعمل في كلا الأمرين ، ولم يرد في السنة أو لدى الفقهاء التفريق بينهما من حيث الطهارة والنجاسة .

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
وجوب غسل الصيد مكان إمساك الكلب بفمه ، وهو المعتمد في مذهب الشافعية والحنابلة ، كما هو ظاهر مذهب الحنفية ، حيث نصوا على نجاسة سؤر كلب الصيد ، والسؤر يشمل ما تبقى من الشراب والطعام ومن كل شيء ، ولم نقف على استثناء حالة الصيد عندهم .
جاء في ” مراقي الفلاح ” (ص/30) من كتب الحنفية :
” السؤر النجس ما شرب منه الكلب ، سواء فيه كلب صيد وماشية وغيره “.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” مَعَضُّ الكلب [ أي: مكان عضته ] من الصيد نجس نجاسة مغلظة ، كغيره مما أصابه بعض أجزاء الكلب مع رطوبة ، والأصح : أنه لا يُعفى عنه ؛ لندرته ، والأصح : أنه يكفي غسله بماء سبعا وتراب في إحداهن كغيره ، ولا يجب أن يُقَوَّر ويُطرح ؛ لأنه لم يرد ، وتشرب اللحم بلعابه لا أثر له ؛ لأنه لا نجاسة على الأجواف كما نص عليه ” انتهى من ” تحفة المحتاج ” (9/331) .
ويقول البهوتي رحمه الله :
” يجب غسل ما أصابه فم الكلب ؛ لأنه موضع أصابته نجاسته ، فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني ” انتهى من ” كشاف القناع ” (6/224) ، وقال عنه المرداوي رحمه الله : ” هو المذهب ” ينظر ” الإنصاف ” (10/433) .

القول الثاني :
لا يجب غسل ما أصاب الكلب بفمه من الصيد ، بل هو مما يعفى عنه ، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعية – كما نقله النووي في ” المجموع ” (9/124) – ، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة ، كما يقول المرداوي رحمه الله : ” صححه في التصحيح ، وتصحيح المحرر ، وجزم به في الوجيز ” انتهى من ” الإنصاف ” (10/434) ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .

واستدلوا بظاهر ” قول الله عز وجل : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) المائدة/4. قالوا : ولم يأمر بغسله ، مع أنه لا ينفك عنه غالبا أو دائما ، ولهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، مع ذكره للأحاديث الواردة فيه ، مع تكرار سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ” ينظر ” المجموع ” (9/124).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” لعاب الكلب إذا أصاب الصيدَ لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك ، فقد عُفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة ، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة ، فدلَّ على أنَّ الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21/620)، وانظر (19/25-26) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إِذا وَلَغَ ) ، ولم يقل : ( إِذا عَضَّ )، فقد يخرج من معدته عند الشرب أشياء لا تخرج عند العضِّ .
ولا شَكَّ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يغسلون اللحم سبع مرات إِحداها بالتُّراب ، ومقتضى ذلك أنه معفوٌّ عنه ، فالله سبحانه هو القادر وهو الخالق وهو المشرِّع ، وإِذا كان معفوًّا عنه شرعاً ، زال ضرره قدراً ، فمثلاً الميتة نجسة ، ومحرَّمة ، وإِذا اضطُرَّ الإِنسان إِلى أكلها صارت حلالاً ، لا ضرر فيها على المضطرِّ .
فالصَّحيح : أنه لا يجب غسل ما أصابه فَمُ الكلب عند صيده لما تقدَّم ؛ لأن صيد الكلب مبنيٌّ على التَّيسير في أصله ؛ وإِلا لجاز أن يُكلِّفَ الله عزّ وجل العباد أن يصيدوها بأنفسهم ؛ لا بالكلاب المعلَّمة ، فالتيسير يشمل حتى هذه الصُّورة ، وهو أنه لا يجب غَسْل ما أصابه فَمُ الكلب ، وأن يكون مما عَفَا الله تعالى عنه ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (1/420) .

والقول الثاني : هو أظهر القولين في المسألة ، لقوة أدلته ، ولما فيه من رفع الحرج والمشقة ، ولكنه لا يستلزم الحكم بطهارة ريق الكلب مطلقا ، حتى لو ولغ في الآنية ، كما يقرره المالكية ، فالحكم السابق خاص في حالة الصيد فقط ، مستثنى من القاعدة العامة في نجاسة لعاب الكلب ، والاستثناء لا يجوز القياس عليه وإلا عاد على الحكم الأصلي بالبطلان ، والحكم الأصلي ثبت بالسنة النبوية الصحيحة في وجوب غسل سؤر الكلب ، فالقول بالعفو عن لعابه في الصيد فيه جمع بين الأدلة كلها ، وإعمال لها كل بحسب حالتها .
فالعفو عن مكان عض الكلب من الصيد : إنما هو من باب التخفيف والتيسير ، لعموم البلوى به، ومشقة التحرز عنه .
 

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android