0 / 0
8,19208/03/2013

أخذ وديعتها واعتبره خلعاً فهل يصح ؟

السؤال: 191484

أخت مبتلاة بسحر كان يمنعنها من الزواج ، بعد ذلك تقدم لها أخ آخر قال لها : أنا أرقيك ، ولكن بعد الزواج بدأت تتعب بكثرة الوسواس ، فكثرت المشاكل بينهما حتى قالت له مرة : ربما يفضل بي الخلع ، ثم انقضت المشكلة وتجاوزاها ، واستمرت المشاكل ، علما أنها قائمة بواجباتها والحمد لله تصلي ، وتصوم ، وتقوم الليل ، ولا تخرج من البيت مطلقا ، ولكنها بالنسبة لزوجها ناشز وغير مطيعة , وبعد فترة جاءها زوجها وقال لها : أذهب بك لبيتكم تزوري أمك ، علما أنهما من بلدين متباعدين , وبعد أن عاد بها عاد لبلده ، واتصل بأختها وقال لها : قد قبلت خلع أختك علما أنها والله لم تخلعه ، ولم تفكر أصلا في الابتعاد عنه ، ورفض إرجاع مالها الذي تركته عنده واستأمنته عليه ، مدعيا أنه حقه من الخلع .

فما نصيحتك له ؟ وهل يعتبر هذا خلعا ؟

الأخت الآن لا تعلم ما حكمها ؟ علما أنها تقسم أنها والله لم تنو حتى نية الخلع ، وهي تستغفر الله من كل خطأ أخطأته في حق زوجها ، موقنة أن الكثير من ذلك كرفع الصوت وايذاء الرجل كان غصبا عنها بسبب الجان الذي معها .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
الواجب على كل من الزوجين معاملة الآخر بالمعروف ، كما قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 ، وقال : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة البقرة/228.
ويجب على الزوجة خاصة أن تطيع زوجها وأن تمتثل أمره ولا تعصه ولا تماطل في حقوقه لعظم حقه عليها وإلا كانت آثمة.

لكن المرأة قد تُعذر في بعض تقصيرها ، أو شيء من نشوزها إذا كانت مغلوبة على ذلك بأثر سحر أو مرض ، أو نحو ذلك ؛ فلا تأثم بما غلبت عليه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وإن كان هذا لا يعني سقوط حق الزوج في الطاعة ، أو حقوقه عليها بصفة عامة .

ثانيا :
وأما قول الزوجة : ” ربما يفضل بي الخلع ” فهذا إخبار ؛ بأن الخلع هو الأنسب للخلاص من الخلافات لا أنها أوجبته .
ولو سلمنا أنها طلبت الخلع بلفظه الصريح ، إلا أن الزوج لم يجبها بالقبول في المجلس لم يصح الخلع ؛ لأن شروط صحة الخلع عند الأئمة الأربعة اتحاد المجلس، فإن تراخى عنه لم يصح الخلع .
جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (1/209) : ” المذاهب الأربعة على أن الزوج لو خالع امرأته ، فإن القبول يقتصر على المجلس .. ” انتهى .
وقد ذكر الدكتور وهبة الزحيلي ـ وفقه الله ـ أركان الخلع عند الجمهور العلماء التي لا يصح الخلع إلا بها فقال:
الأول: أن يصدر الإيجاب من الزوج أو وكيله ، أو وليه إن كان صغيراً أو سفيهاً غير رشيد .
الثاني : أن يكون ملك المتعة قائماً حتى يمكن إزالته ، وذلك بقيام الزوجية حقيقة ، أو حكماً كما هو حال المطلقة رجعياً ولا تزال في العدة ..
الثالث : البدل من جانب الزوجة أو غيرها ..
الرابع : الصيغة : وهي لفظ الخلع أو ما في معناه مما ذكر كالإبراء والمبارأة والفداء والافتداء، سواء أكان صريحاً أم كناية ، فلا بد من صيغة معينة ومن لفظ الزوج ، ولا يحصل بمجرد بذل المال ؛ لأن الخلع الشرعي له آثار تختلف عن آثار الطلاق على مال ، ولأنه تصرف في البضع ( الاستمتاع بالمرأة ) بعوض ، فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق .
الخامس : قبول الزوجة : لأن الخلع من جانبها معاوضة ، وكل معاوضة يلزم فيها قبول دافع العوض ، ويلزم تحقق القبول في مجلس الإيجاب أو مجلس العلم به ، فإذا قامت الزوجة من المجلس بعد سماع كلمة المخالعة ، أو بعد ما علمت بها من طريق الكتابة ، فلا يصح قبولها بعدئذ .
ويشترط توافق القبول والإيجاب ، فإن قال الزوج : طلقتك بألف ، فقالت: بثمانمائة ، أو قال: طلقتك ثلاثاً بألف، فقبلت طلقة واحدة بثلث ألف، لم ينعقد الخلع ويعد لغواً ، وكذا يعد لغواً عند الشافعية : إن قال: طلقتك بألف، فقالت: قبلت بألفين؛ لأنه يشترط عنده التطابق أو التوافق التام بين الإيجاب والقبول.
.. وقد اعتبر الحنفية ركن الخلع هو الإيجاب والقبول ؛ لأنه عقد على الطلاق بعوض، فلا تقع الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول ” انتهى من ” الفقه الإسلامي وأدلته “(9/457) .

وبناء على ما سبق : فإن ما ادعاه الزوج من الخلع غير صحيح ؛ وعليه أن يتقي الله تعالى في زوجته وأن يرد عليها وديعتها ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ..) سورة النساء/29 .
وليعلم أن أكل أموال الناس بالباطل كبيرة من كبائر الذنوب توجب سخط الله ومقته ، فحري بالمسلم أن يتجنب ما يسخط الله عنه .
وقد أمر الله عباده أن يؤدوا الأمانات إلى أصحابها ؛ فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء/58 .
ونهى عن تضييعها وخيانتها ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال /27 .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة هي من صفات النفاق ، التي لا تليق بمسلم يتقي ربه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ومسلم (59) .

ثالثا :
إذا أدى الزوج لامرأته أمانته التي أودعتها عنده ، ثم رغب عنها ، ولم يعد يحتمل العيش معها ؛ فله أن يطلقها ، وقد قال تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) سورة النساء/130.
وإن كان الأولى والأفضل أن يصبر عليها ويعالجها ، ما دام هو قد علم حالها من أول الأمر ، ويصدقها فيما تدعيه من أن ذلك خارج عن طوقها ، فليحتسب الأجر عند الله في الصبر عليها ، والإحسان إليها ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي(3895) .

وليس له أن يضيق عليها حتى تفتدي نفسها منه بمالها ، ما دام قد تزوجها وهو على بينة من مرضها ، ومعرفة بحالها .
وقد قال الله تعالى: ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/20-21 .
وقال تعالى : ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) سورة النساء/19 .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارّها لتفتدي وتردّ إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك ، ثم قال: إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فحينئذ يحل لكم إضرارهنّ ليفتدين منكم ” انتهى من ” معالم التنزيل ” للإمام البغوي ” (2/186) .

قال ابن قدامة رحمه الله : ” ومن شرط ثبوت الخيار [ الفسخ ] بهذه العيوب , أن لا يكون عالماً بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له . لا نعلم فيه خلافاً ; لأنه رضي به , فأشبه مشتري المعيب ” انتهى من “المغني”(7/143)
وقال أيضاً : ” إذا علم بالعيب وقت العقد , أو بعده ثم وجد منه رضا , أو دلالة عليه , كالدخول بالمرأة , أو تمكينها إياه من الوطء , لم يثبت له الفسخ ; لأنه رضي بإسقاط حقه فسقط , كما لو علم المشتري بالعيب فرضيه ..” انتهى من ” المغني ” (7/144).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android