0 / 0
48,62610/02/2013

هل السنة التخفيف في صلاة النافلة مطلقاً ؟

السؤال: 187769

أريد أن أسأل عن صلاة النوافل : هل يجوز أو يجب فيها التخفيف مثل ركعتي الفجر ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

تنقسم صلاة النوافل باعتبار مشروعية التخفيف وعدمه إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : نوافل يسن فيها التخفيف ، ومن ذلك :
* ركعتا الفجر .
روى البخاري (1165) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ : هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ ؟! ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سنة الفجر السنة فيها التخفيف ، فيقرأ الإنسان في الركعة الأولى : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، وفي الثانية : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ، أو يقرأ في الأولى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) البقرة : 136 الآية في سورة البقرة ، وفي الثانية : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) آل عمران : 64 .

وفي الركوع يخفف أيضاً ، فيقتصر على أدنى الكمال ، ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم .
وفي السجود كذلك ، وفي التشهد أيضاً لا يطيله ، هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .

* ومنه : تحية المسجد ، إذا كان الإمام يخطب .
روى مسلم (875) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجلس ، فقال له عليه الصلاة السلام : ( يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ، ثُمَّ قَالَ : إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ) .

* ومنه : استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين .
روى أبو داود (1323) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) ، وثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

* ومن ذلك أيضا : ركعتا الطواف ، فإن المشروع فيهما قراءة خفيفة ، نحو من قراءته في سنة الفجر والمغرب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " واعلم أن المشروع في هاتين الركعتين : التخفيف ، وأن يقرأ فيهما ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وأنه ليس قبلهما دعاء ، وليس بعدهما دعاء " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (24/463 – 464) .

القسم الثاني : نوافل يسن فيها التطويل ، كصلاة الكسوف ، وقيام الليل .
فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يطيل القراءة في صلاة الكسوف ، فقد روى البخاري (5197) ومسلم (907) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : ( خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ …) .

قال الشيخ المباركفوري رحمه الله : " في الحديث دليل على مشروعية تطويل القيام بقراءة سورة طويلة في صلاة الكسوف ، وهو مستحب عند الجميع " انتهى من " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (5/136) .

وأما صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ، فقد وصفتها عائشة رضي الله عنها في كلمتين اثنتين " الطول والحُسن " ، فقالت رضي الله عنها : ( مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا ..) رواه مسلم (738) .

قال النووي رحمه الله : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَعَ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة بَعْده – فِي تَطْوِيل الْقِرَاءَة وَالْقِيَام – دَلِيل لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَغَيْره مِمَّنْ قَالَ : تَطْوِيل الْقِيَام أَفْضَل مِنْ تَكْثِير الرُّكُوع وَالسُّجُود " انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي " .

القسم الثالث : نوافل لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف ولا تطويل :
فهذا النوع من النوافل وقع فيه خلاف بين أهل العلم : هل الأفضل أن يطيل الإنسان فيها القيام ، أو الأفضل أن يكثر من الركوع والسجود ؟
فذهب الحنابلة رحمهم الله إلى : أن كثرة السجود والركوع أفضل من طول القيام .
قال البهوتي رحمه الله : " وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه ، كركعتي الفجر وركعتي افتتاح قيام الليل , وتحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب يوم الجمعة ، أو ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تطويله ، كصلاة الكسوف ، فالأفضل اتباعه ؛ لقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ، وما عداه ، أي : ما عدا ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم تخفيفه وتطويله ، فكثرة الركوع والسجود فيه أفضل من طول القيام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، وعن ثوبان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( عليك بكثرة السجود , فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة , وحط عنك بها خطيئة ) ، … ، ولأن السجود في نفسه أفضل وآكد , بدليل أنه يجب في الفرض والنفل ولا يباح بحال إلا لله تعالى ، والقيام يسقط في النفل ، ويباح في غير الصلاة ، للوالدين والعالم وسيد القوم ، والاستكثار مما هو آكد وأفضل أولى " انتهى من " كشاف القناع " (1/441) .

وذهب الشافعية رحمهم الله إلى : أن طول القيام أفضل من كثرة السجود والركوع .
قال النووي رحمه الله : " تطويل القيام عندنا أفضل من تطويل السجود والركوع وغيرهما ، وأفضل من تكثير الركعات " انتهى من " المجموع " (3/537) .

وذهب بعض العلماء إلى : التفريق بين الصلاة في الليل والصلاة في النهار .
قال الشوكاني رحمه الله : " وقال إسحاق بن راهويه : أما في النهار ، فتكثير الركوع والسجود أفضل ، وأما في الليل فتطويل القيام ، إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه ، فتكثير الركوع والسجود أفضل ، لأنه يقرأ جزأه ، ويربح كثرة الركوع والسجود .
قال ابن عدي : إنما قال إسحاق هذا ؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ، ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل " انتهى من " نيل الأوطار " (3/91) – ترقيم الشاملة – .

والخلاصة :
أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التخفيف قولا أو فعلا ، فالسنة التخفيف ، وما ورد فيه من النوافل التطويل ، فالسنة التطويل ، وما عدا ذلك من النوافل ، فالعلماء مختلفون ، هل طول القيام أفضل ، أو الإكثار من السجود والركوع أفضل ؟ .
ومثل هذا يقال له : افعل ما هو أصلح وأخشع لقلبك ، إن كان طول القيام أصلح وأخشع ، فليفعله الإنسان ، وإن كان كثرة السجود أفضل فكذلك ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ ) رواه مسلم (467) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – معلقاً على عبارة ( انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله ) – : " فالإنسان العاقل الموفق يعرف كيف يتصرف في العبادات غير الواجبة ، فيقارن ويوازن بين المصالح ، ويفعل ما هو أصلح " انتهى من " الشرح الممتع " (5/79-80) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android