0 / 0
77,75610/07/2012

دلالة النهي على التحريم ، وذكر بعض الصوارف التي تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة

السؤال: 184119

هل إذا ورد في حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن شيء ما , يكون في كل الحالات فعل هذا الشيء حرام ؟ أم أن يكون في بعض الحالات مكروه ؟ وإن كانت الثانية فكيف نعرف إن كان حراما أم مكروها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم ، وهذا مذهب جمهور العلماء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ” أَصْلُ النَّهْيِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ كُلَّ ما نهى عنه ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ حتى تَأْتِيَ عنه دَلَالَةٌ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا نهى عنه لِمَعْنًى غَيْرِ التَّحْرِيمِ إمَّا أَرَادَ بِهِ نَهْيًا عن بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ ، وَإِمَّا أَرَادَ بِهِ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ عن الْمَنْهِيِّ وَالْأَدَبِ وَالِاخْتِيَارِ ” انتهى من ” كتاب الأم للشافعي ” .

وقال ابن عبد البر رحمه الله : ” وفيه : أن النهي من قبل الله إذا ورد فحكمه التحريم ، إلا أن يزيحه عن ذلك دليل يبين المراد منه ، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما علمت أن الله حرمها . ثم قال : إن الذي حرم شربها حرم بيعها ) فأطلق عن الله تحريمها ” انتهى من ” التمهيد ” ( 4 / 141 ) .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
” جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عمل كذا من الأعمال ، فهل النهي هو التحريم ، أو أن النهي يعني الكراهية ؟ “
فأجاب رحمه الله :
” الأصل أن النهي للتحريم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فما نهيتكم عنه فاجتنبوه … الحديث ) ، فلا ينقل عن التحريم من الكراهة إلا بدليل يدل على ذلك ” .
انتهى مختصرا بتصرف يسير من ” فتاوى نور على الدرب ” .
http://www.binbaz.org.sa/mat/19445
ثانياً :
قد يرد النهي في بعض النصوص ، فيحمله أهل العلم على الكراهة ؛ وذلك لوجود صارفٍ يصرف ذلك النهي من التحريم إلى الكراهة ، ومن تلك الصوارف :
أ . أن يعارض قوله فعله عليه الصلاة والسلام .
فإذا نهى عن شيء عليه الصلاة والسلام ، ثم فعل ذلك المنهي عنه دل ذلك على أن النهي للكراهة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : ” الأصل في النهي هو التحريم ، ولا ينقل عن التحريم من الكراهة إلا بدليل يدل على ذلك ، فإذا نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهي للكراهة ، مثلما نهى عن الشرب قائماً ، ثم شرب قائماً في بعض الأحيان دل على أنه ليس نهيا للتحريم ، وأنه يجوز الشرب قائماً وقاعداً ، ولكنه إذا شرب قاعداً يكون أفضل وأحسن ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” .

ب . أن يكون النهي واردا في باب الآداب والإرشاد .
إذا ورد النهي في أمر يتعلق بالآداب ، فهو محمول عند جمهور أهل العلم على نهي الكراهة .
وقد نص بعض العلماء على هذا الصارف ، وأنه مما يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة ، ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في ” فتح الباري ” : ” قَوْله : ( بَاب النَّهْي عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ ) أَيْ : بِالْيَدِ الْيُمْنَى , وَعَبَّرَ بِالنَّهْيِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَر لَهُ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ أَنَّ الْقَرِينَة الصَّارِفَة لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيم لَمْ تَظْهَر لَهُ , وَهِيَ أَنَّ ذَلِكَ أَدَب مِنْ الْآدَاب , وَبِكَوْنِهِ لِلتَّنْزِيهِ قَالَهُ الْجُمْهُور , وَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر إِلَى أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” بعض العلماء سلك مسلكاً جيداً ، وهو أن الأوامر تنقسم إلى قسمين : أوامر تعبدية .
وأوامر تأديبية ، يعني من باب الآداب ومكارم الأخلاق .
فما قصد به التعبّد فالأمر فيها للوجوب ، لأن الله تعالى أمرنا بها ورضيها لنفسه أن نتقرب إليه بها فوجب علينا أن نقوم بذلك إن كانت أمراً وأن نترك ذلك إن كانت نهياً .
أما إذا كانت من باب الآداب ومكارم الأخلاق وليس هناك علاقة بينها وبين التقرب إلى الله عزّ وجل ، فإن الأمر فيها يكون للاستحباب والنهي فيها للكراهة لا للتحريم ” .
انتهى من ” منظومة أصول الفقه وقواعده مع شرحها للشيخ ابن عثيمين ” .

ج . أن يرد النهي في حال دون حال .
من الصوارف أن يأتي الترخيص بفعل ذلك المنهي عنه في حالة معينة ، كما في صوم يوم الجمعة ، فقد روى مسلم (1144) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ ) ، فهنا أباح الصوم إذا لم يفرد ، فتجويزه في حال دون حال يصرفه عن التحريم عند بعض أهل العلم .
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : إذا كان الأصل في النهي التحريم ، فلم صار في الجمعة للكراهة ؟
فأجاب رحمه الله : ” لعله لكونه رخص في الشرع في صيامه وصيام يوم معه ، فلو كان حراماً لما ساغ صومه بالكلية ” انتهى من ” فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ ” ( 4 / 161) – ترقيم الشاملة – .

د . أن يرد الإجماع على عدم التحريم .
من الصوارف التي تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة أن يُنقل الإجماع في مسألة معينه أن النهي فيها للكراهة ، كما في مسألة القزع ، فقد روى مسلم (2120) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نَهَى عَنْ الْقَزَعِ قَالَ قُلْتُ لِنَافِعٍ وَمَا الْقَزَعُ قَالَ يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ ) .
قال النووي رحمه الله : ” وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الْقَزَع إِذَا كَانَ فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة ، إِلَّا أَنْ يَكُون لِمُدَاوَاةٍ وَنَحْوهَا , وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه ” انتهى من ” شرح مسلم للنووي ” .

وهناك صوارف أخرى يذكرها بعض أهل العلم في كتبهم يصرفون بها أدلة النواهي من التحريم إلى الكراهة ، فينظر في ذلك لكتب الفقه وأصوله .

والحاصل : أن النواهي الواردة في النصوص الأصل فيها أنها محمولة على نهي التحريم ، وقد ينتقض هذا الأصل بوجود دليل أو قرينة تصرف ذلك النهي من التحريم إلى الكراهة .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android