0 / 0

كيف تواصلت المرأة لتحصيل علم الحديث ؟

السؤال: 175224

كيف كانت عالمات الحديث يقمن بالتدريس فى المساجد ، حيث يحضر الرجال والنساء فى الحلقة ، هل كانت هناك حواجز ، وهل كان هناك تواصل بالأعين…الخ ، وهل هؤلاء النساء كن يسافرن لتحصيل العلم بالحديث دون محرم ، حيث يعتقد بعض الناس أنه يجوز للنساء السفر لتحصيل العلم دون محرم ، بما أن السفر اليوم أكثر أمنا من ذي قبل بسبب الأمن فى المواصلات ، وربما يفترضون أن التحريم فيما مضى كان لدواعٍ أمنية كقطاع الطريق في الصحراء…الخ ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

طلب العلم في الإسلام ليس ممارسة إنسانية فحسب ، ولكنه عبادة يتقرب بها المسلمون لربهم عز وجل ، ويبتغون بها الثواب عنده سبحانه في أعلى درجات الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
ولما كان العلم عبادة كان المسلمون يحرصون على التزام شريعة الله في تحمله وأدائه ، ويراقبون الله عز وجل في خواطر قلوبهم ونوازع نفوسهم كي لا تميل بهم عن جادة العلم الذي يبتغى به وجه الله ، ومن ذلك أن مسيرة طلب العلم لدى نساء المسلمين وفتياتهم لا بد وقد انضبطت بأحكام الشريعة أيضا ، وفي الوقت نفسه لم تكن تلك الأحكام بمانعة لهن عن استكمال طريق العلم ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ ) رواه مسلم (رقم/332) .
والتزام طالبة العلم المسلمة – في كتب تراجم النساء والرواة والعلماء – يظهر في جوانب عدة ، هي :
أولا :
تحريم السفر بغير محرم ، فقد كان محل اتفاق بين العلماء ، ولم يستثن بعض الفقهاء والمحدثين شيئا سوى سفر الحج والعمرة الواجبين ، فلا يعرف عن المرأة أنها كانت تقطع مسافات الأسفار ، وتعرض نفسها للأخطار العظيمة في تلك الأزمان إلا مع ذي محرم ، كي لا تعصي الله من حيث تريد طاعته ، وكي لا يغدو العلم الشرعي وبالا عليها يوم القيامة ، وانظر في موقعنا الفتوى رقم : (82392) .
ثانيا :
أما مخالطة الرجال والنظر المتبادل بين الجنسين فكان السلف الصالح من الفقهاء والمحدثين أبعد الناس عنه ، تلتزم العالمة أو طالبة العلم في مسيرتها العلمية الحجاب الكامل الذي يشمل الوجه والكفين ، أو حتى تلتزم السماع والتحديث من وراء الستر والحجاب ، اقتداء بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؛ فقد أخذ التابعون عن أمهات المؤمنين جميع ما رووه من مئات الأحاديث من وراء حجاب ، استجابة لقول الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/54.
ولم يكن هذا الحكم مختصا بأمهات المؤمنين كما يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" تعليله تعالى لهذا الحكم – الذي هو إيجاب الحجاب – بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن " انتهى من " أضواء البيان " (6/242) .
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في فتاوى عديدة ، منها : (46921) .
ثالثا :
وهكذا تجد في كتب التراجم العديد من المواقف التي ينص فيها على كون السماع من وراء ستر وحجاب ، استجابة لأمر الله عز وجل ، فقد قال المحدثون في الجواب عن إنكار من أنكر سماع محمد بن إسحاق من فاطمة زوجة هشام بن عروة : " جائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب في غيبة زوجها ، قال الذهبي : ذاك الظن بهما ، كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات ، مع جواز أن يكون دخل عليها ورآها وهو صبي فحفظ عنها ، مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعجزت ، وكذا ينبغي ، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/42)
وفي " مسند الإمام أحمد " (33/401) : " جاء قوم من أصحاب الحديث فاستأذنوا على أبي الأشهب فأذن لهم ، فقالوا : حدثنا ، قال : سلوا، فقالوا : ما معنا شيء نسألك عنه ، فقالت ابنته من وراء الستر : سلوه عن حديث عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " انتهى.
" وكذلك ما روي عن الإمام مالك رحمه الله حين كان يقرأ عليه " الموطأ " فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب ، فيقول أبوها للقارئ : ارجع فالغلط معك ، فيرجع القارئ فيجد الغلط " كما في " المدخل " لابن الحاج (1/215) .
وقد جاء في " الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " (12/ 22) في ترجمة حليمة ابنة أبي علي المزملاتي أنها " سَمِعت من وَرَاء حجاب ثمانيات النجيب على الْجمال الْحَنْبَلِيّ " .
وهكذا يمكننا تأكيد أن مسيرة المرأة في طلب العلم الشرعي كانت مثالا على الالتزام بالآداب الشرعية ، كما كانت نموذجا مثاليا أيضا في التضحية في سبيل العلم ، وتحقيق الإنجاز الرفيع حتى سطرت كتب التاريخ مئات الأسماء من النساء خالدات الذكر في الدنيا ، ممن أسهمن في بناء التاريخ الإسلامي المشرق .
للاطلاع على ذلك ننصح بقراءة المراجع الآتية :
1. عناية النساء بالحديث الشريف: مشهور حسن سلمان .
2. جهود المرأة في نشر الحديث وعلومه : عفاف عبدالغفور .
3. صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح البخاري" محمد بن عزوز .
4. دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى : آمال بنت قرداش صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة عن وزارة الأوقاف- قطر، عدد70 .
5. جهود المرأة الدمشقية في رواية الحديث الشريف : محمد بن عزوز .
6. أعلام النساء : عمر رضا كحالة .
7. مقدمة محمد بن عزوز لتحقيق كتاب " ترقية المريدين بما تضمنته سيرة السيدة الوالدة من أحوال العارفين " للحافظ عبد الحي الكتاني .
8. فصل بعنوان " صور من سيرة المسلمة العالمة " من كتاب " عودة الحجاب " (2/580) .
9. نساء صنعن علماء : أم إسراء بنت عرفة بيومي .
10. جامع أخبار النساء من سير أعلام النبلاء : خالد بن حسين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android