0 / 0
53,76027/12/2011

هل يطيع والديه إذا أمراه بترك السنن ؟

السؤال: 174831

ما حكم طاعة الوالدين لو منعا ابنهما من عمل بعض السنن ؟ فوالدتي مثلاً تغضب إذا رأتني أذهب لصلاة الجماعة باستمرار، أو إذا حافظت على النوافل أو قرأت القرآن في أوقات فراغي .. الخ ، فهل أطيعها إذا منعتني من ذلك ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
أوجب الشرع على الولد بر والديه وحرَّم عليه عقوقهما ، وهذا مما لم يقع فيه خلاف بين أحد من أهل العلم للنصوص الشرعية قطعية الثبوت وقطعية الدلالة على ذلك .
ونحن نشكر للأخ السائل حرصه على الخير حيث يريد بر والديه ، مع محافظته على أبواب الخير والسنن ؛ فنسأل الله أن يوفقه لما يحب ويرضى وأن يرزقه العلم النافع والعمل الصالح .

ثانياً:
نحب أن ننبِّه الأخ السائل – وغيره ممن يقرأ هذا الجواب – على ضرورة التفريق بين الطاعات الواجبة والطاعات المستحبة ؛ حيث إن ترك الواجبات يوقع فاعله في المعصية ويوجب استحقاق الإثم ، وليس لهذا الأمر تعلق بطاعة الوالدين ولا غيرهما ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل .
وصلاة الجماعة في المسجد من الواجبات لا المستحبات ، وعليه : فلا تجب طاعة الوالدين اللذين يمنعان ابنَهما البالغ العاقل القادر على الذهاب للمسجد من غير خوف ولا ضرر ، من الذهاب إلى بيت الله تعالى ليقيم فرائض الله تعالى فيها ، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه – ( 1 / 230 ) – معلَّقاً عن الحسن البصري رحمه الله قوله ” إن منعتْه أمُّه عن العشاء في الجماعة شفقة : لم يطعها ” ، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل ينهاه أبوه عن الصلاة في جماعة ، قال : ” ليس له طاعته في الفرض ” .
انظر ” غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ” للسفاريني ( 1 / 385 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
نصوص أحمد تدل على أنه لا طاعة لهما في ترك الفرض ، وهي صريحة في عدم ترك الجماعة وعدم تأخير الحج .
” المستدرك على مجموع الفتاوى ” ( 3 / 217 ) .
ثالثاً:
أما المستحبات والنوافل فلا شك أن فعلها مما يزيد في إيمان المسلم ، وهو يحتاج لفعلها ليتقرب من ربِّه عز وجل فيثيبه عليها ، وفعل المستحبات التي من جنس الفرائض مما يجبر نقصها ، فأداء نوافل الصلوات والمستحبات منها يجبر نقص الصلوات الخمس ، والصدقة النافلة تجبر النقص في الزكاة ، وهكذا الأمر في بقية الفرائض ، ولذا فلا يستغني المسلم عن فعل المستحبات والنوافل لتلك الأمور كلها .
فهل يجب على الولد طاعة والديه إذا أمراه بترك المستحبات والنوافل ؟
للجواب على ذلك نقول : إن ضابط بر الوالدين في الطاعة يمكن إجماله في أمور :
1. أن يكون أمرهما في مباح لا في ترك واجب ولا فعل محرَّم .
2. أن يكون لهما فيما يأمران به نفع لهما أو مسوِّغ شرعي .
3. أن لا يكون فيما يأمران به ضرر على ولدهما ، وأما إن كان فيه مشقة عليه فتجب الطاعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر ، فإن شق عليه ولم يضره : وجب ، وإلا فلا .
” الفتاوى الكبرى ” ( 5 / 381 ) .
وعليه فيقال : بماذا ستنتفع الأم من أمرها ولدها بعدم صلاة السنن والامتناع عن قراءة القرآن ؟! نعم ؛ لو كانت محتاجة له لخدمتها أو رعايتها ، أو طلبت منه عونا ما ، أو نادت عليه ، وتعارض ذلك مع قيامه بنافلة أو أمر مستحب : فحينها يقال له فلتقدِّم الواجب – وهو بر أمك – على المستحب والنافلة ، أما عندما لا توجد حاجة أو منفعة للأم أو للأب في ترك ولدهما لشيء من النوافل والمستحبات ولا يوجد مسوغ شرعي لهذا الأمر : فحينها يقال له : لا تطعهما ودارِهما وقل لهما قولا معروفاً ، وحاول أن لا تظهر أنك تفعل شيئاً من النوافل والمستحبات أمامهما ، مع ضرورة دوام النصح والتذكير لهما بأهمية فعل الطاعات والتقرب إلى الله تعالى بها وحاجة المسلم لتكثير حسناته ليلقى بها ربه تعالى .
والخلاصة في طاعة الوالدين في المستحبات والنوافل :
1. إذا كان أمر الوالدين لولدهما أن لا يصلي النوافل ولا يفعل الطاعات المستحبة بالكلية : فلا يطاعان ؛ لأن في هذا إماتة لتلك الشعائر مع عدم انتفاعهما بذلك الترك .
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل أمره أبواه أن لا يصلي إلا المكتوبة فقال ” يداريهما ويصلي” .
انظر ” غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ” ( 1 / 384 ) .
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله – :
وذكر أبو البركات – وهو جد شيخ الإسلام ابن تيمية – أن الوالد لا يجوز له منع ولده من السنن الراتبة ، وكذا الزوج والسيد ، ومقتضى كلام صاحب ” المحرر ” – وهو نفسه أبو البركات – هذا : أن كل ما تأكد شرعاً ، لا يجوز له منع ولده ؛ فلا يطيعه فيه .
” الآداب الشرعية ” ( 2 / 42 ) باختصار .
2. إذا كان أمر الوالدين ولدهما بترك طاعة مستحبة لنفع لهما ، أو لخوف عليه حقيقي غير موهوم : فتجب طاعتهما ، كمن تأمر ابنها بعدم السفر لطلب العلم لصغر سنه وعدم قدرته على تدبير أمره ، أو كمن يأمره أبوه أن لا يصوم التطوع لضعف في بدنه أو لرغبته أن يشاركهم في دعوة على طعام لقريب أو صديق أو جار ، أو كمن يحتاج له والداه ليوصلهما لحاجة لهما أو ليبقى بجانبهما للعناية بهما .
3. إذا كان منع الوالدين ولدهما من فعل المستحبات والنوافل لهوى في نفوسهما ، أو لقلة دين منهما ، أو لضعف في العقل والتمييز : فلا طاعة لهما ، ومع ذلك فليحسن لهما القول ويصاحبهما بالمعروف .
قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله – :
وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق : لم يلتفت إليه ؛ أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته ، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له : أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة ، فلا يلتفت له الولد في ذلك .
” الفتاوى الفقهية الكبرى ” ( 2 / 104 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – :
إذا ثبت رشد الولد الذي هو صلاح الدين والمال معاً : لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه ديناً أو دنيا ، ولا عبرة بريبة يتخيلها الأب ، مع العلم بصلاح دين ولده وكمال عقله .
” الفتاوى الفقهية الكبرى ” ( 2 / 104 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما الحكم إذا لم يسمح الوالد لولده بالاعتكاف وبأسباب غير مقنعة ؟ .
فأجاب :
الاعتكاف سنَّة ، وبر الوالدين واجب ، والسنة لا يسقط بها الواجب ولا تعارض الواجب أصلاً ؛ لأن الواجب مقدم عليها ، وقد قال تعالى في الحديث القدسي ( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ) – رواه البخاري – فإذا كان أبوك يأمرك بترك الاعتكاف ويذكر أشياء تقتضي أن لا تعتكف لأنه محتاج إليك فيها : فإن ميزان ذلك عنده وليس عندك ؛ لأنه قد يكون الميزان عندك غير مستقيم وغير عدل ، لأنك تهوى الاعتكاف فتظن أن هذه المبررات ليست مبرراً ، وأبوك يرى أنها مبرر : فالذي أنصحك به أن لا تعتكف .
لكن لو لم يذكر مبررات لذلك : فإنه لا يلزمك طاعته في هذه الحال ؛ لأنه لا يلزمك أن تطيعه في أمر ليس فيه منفعة له ، وفيه تفويت منفعة لك .
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 20 / 159 ) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً :
عن طالب علم يريد أن يذهب مع إخوانه في الله لطلب العلم ، وكان الحائل بينه وبين الذهاب معهم هو أهله ، والده وأمه ، فما الحكم في خروج هذا الطالب ؟ .
فأجاب :
هذا الطالب إن كان هناك ضرورة لبقائه عندهم : فهذا أفضل ، مع أنه يمكنه أن يبقى عندهم مع طلب العلم ؛ لأن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله ، والعلم من الجهاد ، وبالتالي فيكون بر الوالدين مقدماً عليه إذا كانا في حاجة إليه ، أما إذا لم يكونا في حاجة إليه ويتمكن من طلب العلم أكثر إذا خرج : فلا حرج عليه أن يخرج في طلب العلم في هذه الحال ، ولكنه مع هذا لا ينسى حق الوالدين في الرجوع إليهما وإقناعهما إذا رجع .
وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي : فهؤلاء لا طاعة لهما ، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج ؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي .
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 26 / 58 ، 59 ) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android