0 / 0
158,22029/10/2011

حكم هجر الأب وتمنِّي الموت له !

السؤال: 174800

يا شيخ أنا عندي مشاكل كثيرة أنا ووالدي ، وقد قطعتُ علاقتي به تماماً منذ ثلاث سنوات ! وما رأيته خلال الفترة السابقة غير مرتين بالصدفة وحتى ما سلمت عليه ! وبعض الأحيان أتذكر المشاكل التي بيني وبينه وأتمنى أنه يموت اليوم قبل غد ! فما الحكم يا شيخ ؟ هل يجوز تمني الموت لأبي ؟ أفتونا يا شيخ الله ينور عليك .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا شك – أخي السائل – أن ما فعلته وتفعله مع والدك إثم عظيم وخطأ جسيم ، فأنت بهجرك والدك تقطع ما أمرك الله أن تصله ، وتعق أباك الذي فرض الله عليك أن تبره ، وتسيء لمن أوجب الله عليك الإحسان إليه ، وما تذكره من حدوث مشكلات بينك وبين والدك لا يسوِّغ لك مقاطعته ولا ترك السلام عليه ، وإذا كان الشرع المطهر قد نهاك أن تهجر المسلمَ الذي لا يربطك به نسب ولا تجمعك به قرابة فوق ثلاث ليال ، فكيف أن يكون هذا المهجور هو والدك ؟!.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : ” الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها :
السبب الأول : عقوق الوالدين وهما الأم والأب , وعقوقهما : أن يقطع ما يجب لهما من بر وصلة ، أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل , قال الله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/ 23،24 ، وقال تعالى ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/ 14 ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والدَّيُّوث الذي يقر الخبث في أهله ) – رواه أحمد بإسناد حسن – ” انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 20 / 383 ، 384 ) .
وليس ثمة إساءة ولا عقوق أعظم من هجرك والدك ومقاطعته ، وقد عدَّ بعض العلماء عدم القيام للوالدين ، أو التقطيب في وجههما : من العقوق ؛ فكيف بك وقد هجرت والدك ثلاث سنين ، ورأيته ولم تلق عليه السلام ، بل وتتمنى لو الموت ؟! فهذا – ولا شك – من العقوق له .
قال الصنعاني – رحمه الله – نقلاً عن البلقيني – : ” لو قدم عليه أحدهما ولم يقم إليه ، أو قطَّب في وجهه : فإن هذا وإن لم يكن في حق الغير معصية ، فهو عقوق في حق الأبوين ” انتهى من ” سبل السلام ” ( 4 / 163 ) .
ولتعلم أنه لا يحل لك هجر والدك ولو كان عاصياً ، بل ولو كان كافراً يبذل الجهد ليجعلك كافراً مشركاً ، فإن الله تعالى ينهى الولد عن الاستجابة له ، ويأمره أن يصاحبه بالمعروف ، فإذا كان الوالدان اللذان يدعوان أولادهما للكفر ، يُصاحَبان بالمعروف وجوباً ؛ فكيف إذا كانا مسلمَين موحِّدين ؟! .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
نحن أربعة إخوة قد هدانا الله على يد أخي الأكبر ، ولكنَّ أبي يسبُّنا ويلعننا وقد تحملناه وصبرنا على إيذائه لنا أربع سنوات ، مع العلم أنه يوالي بعض الناس الذين يعينونه على المعاصي ، ولا يحافظ على الصلاة ، بل أحيانا يتركها بالمرة ، وفي النهاية تركنا البيت ، وهجرناه ، فهل نأثم في ذلك مع العلم أننا نصلُ أمَّنا ؟ .
فأجاب : ” الواجب عليكم أن تسألوا الله الهداية لأبيكم ، وأن تناصحوه دائماً ، ولا يحل لكم أن تهجروه ، ولا أن تعقُّوه ؛ لأن الله تعالى قال ( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/ 14،15 ، فهذه الصورة التي ذكرها الله عز وجل يبذلان الجهد في ولدهما أن يشرك بالله ، ومع ذلك يقول الله عز وجل ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ، فعليك أن تبرَّ والديك ، وربما يكون برُّك لهما سبباً في صلاحهما .. ” انتهى من ” اللقاء الشهري ” ( شريط رقم 39 ) .
فنظن الأمر قد اتضح لك – أخي السائل – وأن ما بينك وبين والدك من مشكلات لا يبيح لك هجره ، ولا ترك السلام عليه ولا تمني الموت له ، وأنه لو كان عاصياً ، بل ولو كان كافراً ما جاز لك ما تفعله معه ، فالمرجو منك الاستجابة لأمر الله تعالى ، وأن تبادر إلى والدك فتعتذر منه على ما بدا منك ، وأن تقبِّل يده ، وترجو منه المسامحة والعفو ، وأن تدعو له أمامه وفي غيبته ، مع التوبة إلى الله مما بدر منك تجاهه ، ونسأل الله أن يوفقك للقيام بذلك كله عاجلاً غير آجل .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android