0 / 0
16,63705/08/2011

انتساب الرجل إلى بيت النبوة لا يوجب محبته إلا بالتقوى

السؤال: 172733

عائلة زوجي تنتمي إلي قبيلة من الأشراف ( آل البيت )، وهم لا يعاملونني جيدا ، وأحس أنني أبغضهم ، وأقول عنهم كلاما سيئا ، فهل آثم لذلك ، وكيف أعاملهم إذا أخطؤوا في حقي ، مع العلم أني أحب الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته وآل بيته كثيرا ، بمعنى آخر إذا بغضت أشخاصا معينين من الأشراف لأسباب دنيوية هل آثم لذلك ، حتى ولو كنت أحب آل البيت عموما ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
مكانة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم – على وجه الإجمال – مكانة محفوظة معروفة ، يقررها أهل السنة في كثير من كتبهم ، ويستدلون عليها بكثير من الأدلة الصحيحة الثابتة في السنة النبوية .
وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بتوسع في الإجابة رقم : (121948)
ثانيا :
لكن فضل آل البيت الذي يستوجب التوقير والتكريم والرعاية خاص بالأتقياء والصالحين منهم ، ولا يشمل من كفر أو فسق أو ساءت أخلاقه وصفاته ، وذلك لأدلة كثيرة ، منها :
1. قول الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13.
2. وقوله عز وجل : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) المؤمنون/101، فتأمل كيف تقرر هذه الآيات أن الكرامة عند الله يوم القيامة ميزانها التقوى والعمل الصالح ، وأن النسب الشريف لا ينفع صاحبه إذا لم يلبس لباس التقوى.
3. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ) رواه مسلم (2699)
ثالثا :
ننقل هنا تقرير العلماء أن النسب الشريف لا يرفع صاحبه بغير التقوى .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” معناه : من كان عمله ناقصا لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال ، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل ” انتهى من ” شرح مسلم ” (17/22-23)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” لا ريب أنه لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم ، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش…وأما ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ، ومدح الله عز وجل للشخص المعين وكرامته عند الله تعالى ، فهذا لا يؤثر فيه النسب ، وإنما يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح ، وهو التقوى ، كما قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وفي الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الناس أكرم ؟ فقال : أتقاهم )
ولهذا أثنى الله في القرآن على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وأخبر أنه رضي عنهم ، كما أثنى على المؤمنين عموما .
فكون الرجل مؤمنا وصف استحق به المدح والثواب عند الله ، وأما نفس القرابة فلم يعلق بها ثوابا ولا عقابا ، ولا مدح أحدا بمجرد ذلك .
وهذا لا ينافي ما ذكرناه من أن بعض الأجناس والقبائل أفضل من بعض ، فإن هذا التفضيل معناه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة كان معدن الذهب خيرا ؛ لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه ، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا ، كان ما يخرج الفضة أفضل منه .
فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول ، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل ، كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء ، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى ، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم .
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب ، دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا ، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى ، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى ، فكلا القولين خطأ ، وهما متقابلان ، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة ، وفضيلة لأجل المظنة والسبب ، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية ; فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة ، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد ، والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله ، والثواب من الله يقع على هذا ، لأن الحقيقة قد وجدت ، فلم يعلق الحكم بالمظنة ، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فلا يستدل بالأسباب والعلامات .
فالاعتبار العام هو التقوى ، فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا ، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل ، سواء كانا أو أحدهما غنيين أو فقيرين ، أو أحدهما غنيا والآخر فقيرا ، وسواء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين ، أو قرشيين أو هاشميين ، أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر ” انتهى باختصار من ” منهاج السنة ” (4/599-608)
وينظر : “جامع العلوم والحكم” لابن رجب (2/308-310) ، ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” ، للشيخ الألباني رحمها الله (7/645) .

والحاصل مما سبق :
أنه لا حرج عليك في بغض أهل الأخلاق السيئة وإن انتسبوا إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فمعقد المحبة والبغض والولاء والبراء هو الإيمان والتقوى ، وليس الأنساب والأحساب .
ولكننا نوصي دائما جميع المسلمين أن يقابلوا الإساءة بالإحسان ، وأن يصفحوا ويغفروا ويتجاوزوا لعل الله يتجاوز عنا وعنهم أجمعين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android