0 / 0
78,47705/07/2011

هل يتذكر حافظ القرآن يوم القيامة ما نسيه من الآيات ؟

السؤال: 169485

يقول الله عز وجل : ( يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) أعلم أن الإنسان سيتذكر يوم القيامة كل شيء كان يفعله في الدنيا بأمر الله عز وجل ، ولكن ماذا عن الحافظ أو الحافظة للقرآن الكريم لو ماتا بدون مراجعة للقرآن ، وكان ناسيا لبعض الآيات أو الكلمات .
وفي الحديث الذي رواه عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال لقارئ القرآن يوم القيامة : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها ) .

سؤالي هو :

هل من الممكن أن يتذكر الحافظ للقرآن ما كان يحفظه في الدنيا من القرآن حتى لو مات بدون أن يراجعه أو كان ناسيا لبعضه ؟

السؤال الثاني :

الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهُ )
هل لكم أن توضحوا لي ؟ وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الآية الكريمة : ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى . يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ) النازعات/34-35، تتحدث عن تذكر الإنسان ما سعى ، أي ما قدم وعمل في الدنيا من خير أو شر ، وما اكتسبه من الحسنات أو السيئات ، فإن هول موقف الحساب وعظمته يبعث في كل عامل ذكرى ما عمل ، فيمر في خاطره شريط أعماله سريعا ، فيرجو أن يثيبه الله على الحسنات ، ويتجاوز عن السيئات والزلات ، فالآية تبين تذكر الإنسان عمله وما اكتسبه في الدنيا ، ولا علاقة لها بتذكر الإنسان ما نسيه من القرآن الكريم ، فذلك خارج السياق الواضح ، ومراعاة السياق أحد أركان التفسير الصحيح .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” ( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ) أي : حينئذ يتذكر ابن آدم جميع عمله خيره وشره ، كما قال سبحانه : ( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) الفجر/23 ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (8/317)
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
” ( يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى ) في الدنيا من خير وشر ، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته ، ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته ، ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا ، وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن ” (ص/910)

وبهذا يتبين أنه لم يرد في الأدلة الشرعية ما يدل على تذكر المسلم ما نسيه من القرآن الكريم يوم القيامة ، وقد بحثنا في كتب التفسير التي تعتني بذكر الأقوال المختلفة في تفسير الآيات ، كتفسير الماوردي وابن الجوزي فلم نجد في الآية قولا آخر مخالفا لما ذكرناه .

ثانيا :
من الأحاديث العظيمة الواردة في فضل صاحب القرآن حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُقَالُ – يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ -: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا )
رواه الترمذي ( 2914 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ”
وقد قال أكثر العلماء إن المقصود بـ ( صاحب القرآن ) من تحقق فيه أمران : الحفظ ، والعمل ، وليس مجرد الحفظ بدون عمل ، ولا من يتقن التلاوة بغير حفظ .
ثالثا :
أما الدليل على اشتراط الحفظ لتحصيل الفضيلة الواردة في الحديث فأمران مهمان :
1. لو كانت الفضيلة تلحق من يقرأ القرآن من المصحف لما تفاضل في ذلك أكثر الناس ، فإن القراءة من المصحف يقدر عليها كل أحد ، ولا يتفاضل فيها الناس – في الغالب – إلا بحسن التجويد ، وتعليق مثل هذه الفضيلة بحسن التجويد بعيد ؛ لأن الحديث علق الفضل ( بالقراءة )، والمنزلة ترتفع بحسب ( آخر آية كنت تقرؤها )، وليس بحسب إتقان التجويد .
2. أن إطلاق (القارئ) على الحافظ كان معروفا مشهورا بحسب الاستعمال في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ( وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ) ، كما ثبت في صحيح البخاري (4276) .
3. ثم إن حفظ القرآن الكريم فيه من المعاناة والمثابرة والتميز ما يتجه تعليق الفضل به دون القراءة المجردة ، خاصة وأن هذا الحفظ فرض كفاية على الأمة ، فجدير أن يثاب حفاظ القرآن – الذين تحملوا عن أمتهم هذا الفرض – ذلك الثواب الجزيل .
ثم إن ظاهر الحديث أيضا يدل على أن الحافظ المتقن ليس كالحافظ غير المتقن ، فارتفاع الدرجات حيث تبلغ القراءة عن ظهر قلب ، وقراءة الحافظ المتقن ستزيد على قراءة الحافظ غير المتقن آيات وآيات ، وما إتقانه إلا دليل على سهره بالليل ، وتعبه بالنهار ، وصبره في معاناة الحفظ ، وترديد الآيات والكلمات ، والميزان العدل يقضي أن يكون ثواب المتقن أعلى من ثواب غير المتقن ، وكلا وعد الله الحسنى .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب ، لا بمن يقرأ في المصحف ؛ لأن :
مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ، ولا يتفاوتون قلة وكثرة ، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب ، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم .
ومما يؤيد ذلك أيضا أن حفظ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمة ، ومجرد القراءة في المصحف من غير حفظ لا يسقط بها الطلب ، فليس لها كبير فضل كفضل الحفظ ، فتعين أنه – أعني الحفظ عن ظهر قلب – هو المراد في الخبر ، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمل .
وقول الملائكة له : ( اقرأ وارق ) صريح في حفظه عن ظهر قلب كما لا يخفى ” انتهى باختصار من ” الفتاوى الحديثية ” لابن حجر الهيتمي (ص/113)
ويقول العظيم أبادي رحمه الله :
” يؤخذ منه أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له ” انتهى باختصار من ” عون المعبود ” (4/237)
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله :
” اعلم أن المراد بقوله : ( صاحب القرآن ) حافظه عن ظهر قلب ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. )، أي : أحفظهم ، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا ، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم ، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن ، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى ، وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (5/284)

رابعا :
أما دليل اشتراط العمل بالقرآن لتحصيل هذا الثواب الجزيل فظاهر أيضا ، فقد ورد الوعيد الشديد على من ترك العمل بالقرآن الكريم ، وذلك في حديث سمرة بن جندب الطويل ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا ، قَالَ : ( أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري (1143)
يقول ابن بطال :
” ( يأخذ القرآن فيرفضه ) يعني : يترك حفظ حروفه والعمل بمعانيه ، فأما إذا ترك حفظ حروفه وعمل بمعانيه فليس برافض له ” انتهى من ” شرح صحيح البخاري ” (3/135)

وأما الحديث المذكور ، فقد ورد عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا )
رواه الترمذي (2916) وغيره جميعهم من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أنس بن مالك به مرفوعا .
ولكنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين ، فيه علل عدة ، كالكلام في عبد المجيد بن أبي رواد حيث تفرد به ، والانقطاع بين كل من ابن جريج والمطلب ، وبين المطلب وأنس بن مالك .
قال الترمذي رحمه الله :
” هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه ، قال محمد : ولا أعرف للمطلب بن عبد الله بن حنطب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا قوله : حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن – هو الدارمي صاحب المسند – يقول : لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله : وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس ” انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
” ليس هذا الحديث مما يحتج به لضعفه ” انتهى من ” التمهيد ” (14/136)
وقال الدارقطني رحمه الله :
” والحديث غير ثابت ؛ لأن ابن جريج لم يسمع من المطلب شيئا ، ويقال : كان يدلسه ، عن ابن أبي سبرة ، أو غيره من الضعفاء ” انتهى من ” العلل ” (12/171)
وقال النووي رحمه الله :
” إسناده فيه ضعف ” انتهى من ” الخلاصة ” (1/306)
وضعفه ابن حجر في ” فتح الباري ” (9/70)، والألباني في ” ضعيف أبي داود – الأم ” (1/164-167)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android