0 / 0
53,94704/03/2011

حقيقة المذاهب الفقهية وأصل وجودها وهل المسلم مُلزم باتباع أحدها ؟

السؤال: 158052

لقد ولدت مسلماً ولدي سؤال عن الإسلام : هناك العديد من المسلمين يسألونك على أي مذهب أنت ( سني أم سلفي أم غير ذلك ) ، فهل عليَّ كمسلم أن أنتمي لأي من هذه المذاهب ؟ إذا كنت تؤمن بالله ورسوله وتؤدي الصلوات الخمس وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت أليست هذه شروط الإسلام دون التزام بمذهب أو غير ذلك ؟ وقد سمعت العديد من المسلمين يحرمون سماع أحد الخطباء لأنه لا يتبع أي مذهب .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المذاهب التي ينتسب إليها الناس إما أن تكون مذاهب فقهية وإما أن تكون مذاهب عقائدية .
فأما المذاهب الفقهية ، فما دامت لأئمة أهل السنة والجماعة ، كالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، فلا حرج على المسلم من الانتساب عليها والتفقه على أئمتها وكتبهم ، بشرط أنه متى وجد الدليل الصحيح من السنة يخالف ما تعلمه في المذهب : اتبع الدليل الصحيح ، وخالف مذهبه .
والانتساب إلى هذه المذاهب غير واجب ولا مستحب ، بل المطلوب من المسلم أن يكون التزامه واتباعه للكتاب والسنة وهدي الصحابة رضي الله عنهم لا غير .

ولهذا تواتر كلام هؤلاء الأئمة الذين يتبعهم الناس على ترك تقليدهم ، وأمر الناس باتباع ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم متى وجدوا ذلك ، وأنه لا يحل لأحد أن يدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويأخذ بقول أحد من الناس ، كائنا من كان .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
” قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ” نقله ابن القيم في “إعلام الموقعين” (1/6) .

وأما المذاهب الاعتقادية كأهل السنة والجماعة والأشعرية والصوفية والمعتزلة وغيرهم …
فليس المسلم مخيراً بينها ، بل الواجب أن يكون من أهل السنة والجماعة ، وهم المتبعون للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، الذين هم القرون الثلاثة المفضلة ، ومن اتبعهم بإحسان من الأئمة إلى يوم الدين .
أما الأشاعرة والصوفية … وغيرهم من الفرق ، فما من فرقة من هذه الفرق إلا وعندها انحرافات وضلالات في عدة أصول ، خالفوا بها أهل السنة والجماعة .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (69836) .

غير أن هناك شرطا مهما في الانتساب السائغ إلى مذهب فقهي ، أو جماعة دعوية تدعو إلى الكتاب والسنة ، ولا ترفع شعار أهل البدعة ، أو غير ذلك من القبائل ، أو النواحي ، أو الطوائف ؛ فإن من ساغ له أن ينتسب إلى شيء من ذلك ، فليس له أن يوالي أو يعادي عليه ، ولا يتعصب له في الحق والباطل ، بل هذا فعل أهل الجاهلية والعصبية ، وسبيل الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعهم ، بل الموفق من يعين الناس على إحسانهم ، فيهما أحسنوا فيه ، ويجتنب إساءة من أساء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي عليها ويعادي غير النبي صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة، يوالون علي ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون ” انتهى من “درء تعارض العقل والنقل” (1/272) .
وقال أيضا :
” فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُحِبَّ مَا أَحَبَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنْ يُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، ممَّا دَلَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَجْعَلَ الْأَصْلَ فِي الدِّينِ لِشَخْصِ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَقُولَ إلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ نَصَّبَ شَخْصًا كَائِنًا مَنْ كَانَ فَوَالَى وَعَادَى عَلَى مُوَافَقَتِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ : فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا الْآيَةَ .
وَإِذَا تَفَقَّهَ الرَّجُلُ وَتَأَدَّبَ بِطَرِيقَةِ قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ: اتِّبَاعِ الْأَئِمَّةِ وَالْمَشَايِخِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ قُدْوَتَهُ وَأَصْحَابَهُ هُمْ الْعِيَارُ ، فَيُوَالِي مَنْ وَافَقَهُمْ ، وَيُعَادِي مَنْ خَالَفَهُمْ ؛ فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَوِّدَ نَفْسَهُ التَّفَقُّهَ الْبَاطِنَ فِي قَلْبِهِ ، وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَهَذَا زَاجِرٌ ، وَكَمَائِنُ الْقُلُوبِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْمِحَنِ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَدْعُوَ إلَى مَقَالَةٍ ، أَوْ يَعْتَقِدَهَا ، لِكَوْنِهَا قَوْلَ أَصْحَابِهِ ، وَلَا يُنَاجِزَ عَلَيْهَا ؛ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ أَوْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَيَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يُقَدِّمَ فِيمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ ؛ فَإِنَّهُ نُورٌ وَهُدًى؛ ثُمَّ يَجْعَلَ إمَامَ الْأَئِمَّةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ . وَلَا يَخْلُو أَمْرُ الدَّاعِي مِنْ أَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا ، أَوْ مُقَلِّدًا ؛ فَالْمُجْتَهِدُ يَنْظُرُ فِي تَصَانِيفِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ؛ ثُمَّ يُرَجِّحُ مَا يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ . الثَّانِي: الْمُقَلِّدُ يُقَلِّدُ السَّلَفَ ؛ إذْ الْقُرُونُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَهَا. فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا رَبُّنَا : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ إلَى قَوْلِهِ: مُسْلِمُونَ ، وَنَأْمُرُ بِمَا أَمَرَنَا بِهِ. وَنَنْهَى عَمَّا نَهَانَا عَنْهُ ، فِي نَصِّ كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةَ ؛ فَمَبْنَى أَحْكَامِ هَذَا الدِّينِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْكِتَابِ؛ وَالسُّنَّةِ؛ وَالْإِجْمَاعِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/8-9) .

وبهذا يتبين خطأ التحذير من هذا الخطيب المذكور ، لكونه لا يتبع مذهبا معينا ؛ فالواجب في الحكم عليه ، والنظر في قوله وفعله ، هو أن يوزن كل ذلك بميزان الكتاب والسنة ؛ فمتى كان متبعا لهما ، عاملا بما فيهما : وجبت موالاته ، ومعاونته على ما هو فيه ، بقدر ابتاعه للكتاب والسنة ، وأخذه بهما .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android