لا ينبغي للمسلم أن يضيع أجر إحسانه ، كما لا ينبغي له أن يكون عونا للشيطان على نفسه ، فيستبدل السيئات بالحسنات ، ويقلب الحق الذي له حقا عليه .
وهكذا نرى كثيرا من الناس ، يقدمون الإحسان للآخرين ، ثم إذا ما رأوا إن إحسانهم لم يكن في محله تصرفوا بما يحرمهم أجورهم ، ويعود عليهم بالإثم والعدوان .
لقد أحسن زوجك – أختنا السائلة – بمراعاة والدته ، وإكرامها بالهبات المالية ، والإنفاق الشهري ، إذ لا شك أن طاعة الوالدة في منحها النفقة – ولو كانت زائدة عن الحاجة – هو من الصدقة التي يتقبلها الله بيده ، ثم يضاعفها أضعافا كثيرة .
صحيح أنه لا يجب على الابن أن ينفق على والدته إذا كانت مكفية بدخل مالي أو أملاك تكفيها حاجتها وتسد كفايتها .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" لا تجب النفقة لمالك كفايته - ولو زمِنًا أو صغيرا أو مجنونا - لاستغنائه عنها ". انتهى من
" مغني المحتاج " (5/185) . وينظر : " الموسوعة الفقهية " (5/255)
ومع ذلك نقول : إن الولد إذا دفع لوالدته – التي تملك كفايتها – مالا فهو متبرع به ، يناله الأجر والثواب بسببه ، ولا يعد طلب الوالدة المال ولا إلحاحها به أو تهديدها بمقاطعة ابنها أو دعائها عليه – لا يعد شيء من ذلك إكراها ملجئا ، فإن من حق الولد أن يتجاوز جميع هذه التهديدات من الوالدة ولا يمنحها شيئا من ماله إذا كانت مكتفية بما تملك ، أما إذا دفع إليها شيئا من ماله فقد تبرع به ، وسقط حقه فيه .
فليس من حقك – أختنا السائلة – أخذ أي مبلغ أو ذهب أو شيء من أملاك والدة زوجك ، وكل ما أخذتِهِ فهو اعتداء محرم على حقوق الآخرين ، مهما كانت ظروفكم المالية ، ومهما كانت حاجتك إلى ما أخذتِه ، والله عز وجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيء فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (2449)
فالواجب عليك التوبة النصوح مما فعلت ، والندم الصادق على ما بدر منك ، وطلب العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى ، والله يقبل التوبة من عباده ، لكن بشرط إرجاع الحقوق إلى أصحابها ، ورد المظالم إليهم ، فلا تتأخري في إعادة قيمة المصاغ الذهبي بسعرها يوم أدائك لها.
ثم اعلمي أن هذا المال متعلق بذمتك أنت ، وليس بذمة أحد غيرك ، ولا يلزم زوجك أن يتحمله عنك ، كما لا يحاسب عليه يوم القيامة ، بل أنت المسؤولة عنه في الدنيا والآخرة .
فإن عجزت عن أداء قيمة الذهب دفعة واحدة ، فبإمكانك أن ترديه على دفعات ، بشرط أن يبلغ المجموع قيمة الذهب الذي أخذتِه . ولا يشترط أن تعلميها بشيء مما حدث أصلا ، بل متى قدرت على رد المال ، فرديه سرا إليها ، بأي طريقة ممكنة لك ، كما أخذتيه سرا ، ولم ينتبه إليك.
أو تستحلي صاحبة المال عن مالها ، ولو عن طريق زوجك ، إذا كان ذلك ممكنا لك ، وعلمت أنه لا يترتب عليه مفاسد أخرى ، أو إساءة إليك .
وأخيرا نقول لك : نحن نقدر الظرف النفسي الذي دفعك إلى هذا العمل ، ولا نشك أن الحاجة ، والتأويلات الخاطئة ، ربما تدفع إلى ارتكاب مثل ذلك ؛ الخطأ ، لكن إذا علمت خطأك في الماضي ، وتبت منه ، فأصلحي ما هو آت بالتوبة النصوح ، وأداء الحقوق إلى أهلها .
والله أعلم .