0 / 0
53,67603/12/2010

هل يجوز فعل عبادات وقُرَب كالصوم والصدقة شكراً لله تعالى على نِعَمه ؟

السؤال: 154245

ماحكم صوم يوم شكراً لله ؟ وهل هو واجب أم مستحب ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – :
مذهب أهل السنة : أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 135 ) .
وفي هذا النقل بيان لصريح لمذهب أهل السنَّة في " الشكر " وأن شكر الله تعالى ليس فقط في القلب واللسان بل والعمل أيضاً ، بل هو أعلى أنواع الشكر .
قال الله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ/13
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي : وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .
وشكرًا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ؛ وعلى التقديرين : فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال:
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي ثَلاثةً … يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا
قال أبو عبد الرحمن الحُبلي : الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد. رواه ابن جرير.
وروى هو وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القُرَظي قال: الشكر تقوى الله والعمل الصالح." انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/500) ، وينظر : "تفسير السعدي" (676) .

وقد تأملنا في أحكام الشرع فوجدنا عبادات كثيرة وقرباً متعددة قد شرعها الله تعالى لعباده شكراً له على نعمه العظيمة وآلائه الجليلة ، ومن ذلك :
1. سجود الشكر :
قال ابن القيِّم – رحمه الله – :
وكان مِن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهدي أصحابه سجودُ الشكر عند تجدُّد نِعمة تسُرُّ أو اندفاع نِقمة ، كما في " المسند " عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه أمرٌ يَسُرُّه خرَّ لله سَاجِداً شُكْراً لله تَعَالى .
وذكر ابنُ ماجه عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُشِّرَ بحَاجَةٍ فخَرَّ للّه سَاجِداً .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 1 / 360 ) .
2. صلاة قيام الليل :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ ( أَفَلَا أَكُونَ عَبْدًا شَكُوراً ) .
رواه البخاري ( 4557 ) ومسلم ( 2820 ) .
قال المباركفوري – رحمه الله – :
قال ابن حجر المكي : قد ظن من سأل عن سبب تحمله المشقة في العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة ، فأفادهم أن لها سبباً آخر أتم وأكمل وهو : الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة انتهى .
( أفلا أكون عبداً شكوراً ) أي : بنعمة الله عليَّ بغفران ذنوبي وسائر ما أنعم الله عليَّ .
" تحفة الأحوذي " ( 2 / 382 ) .
3. صوم عاشوراء :
قال ابن القيِّم – رحمه الله – :
فلما قَدِمَ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وجدهم يُعظِّمون ذلك اليوم ويصومونه ، فسألهم عنه ، فقالوا : هو اليومُ الذى نجَّى الله فيه موسى وقومَه من فرعون ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نحن أحقُّ منكم بموسى ) ، فصامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً ، وأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه وأُمَّتَه أحقُّ بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسى شُكراً للَّه : كنَّا أحقَّ أن نقتدى به من اليهود ، لا سيما إذا قلنا : شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 2 / 70 ، 71 ) .
4. صدقة الفِطر :
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما المقصود بزكاة الفطر ؟ وهل لها سبب ؟ .
فأجاب :
المقصود بزكاة الفطر : صاع من طعام يخرجه الإنسان عند انتهاء رمضان ، وسببها : إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد للفطر من رمضان وإكماله ، ولهذا سُميت " صدقة الفطر " ، أو " زكاة الفطر " ؛ لأنها تنسب إليه ، هذا سببها الشرعي .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / 257 ) .
5. ذبح الحاج هدي التمتع :
وقد سمِّي هذا الدم " دم شكران " .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
أنا شخص مقيم في المملكة وأريد أن أحج مفرداً ، الهدي الذي يكون للقارن والمتمتع هل هو فضيلة أم يكون جبراً لخلل ؟ وهل عليَّ هدي ؟ .
فأجاب :
هو فضيلة ، وهو من باب الشكر لله ؛ لأن المتمتع والقارن حصل لهما نسكان في سفر واحد فكان من شكر نعمة الله عليهما أن يذبحا هدياً ، والمفرد ليس عليه هدي ، لكن التمتع مع الهدي أفضل .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 24 / 172 ) .
6. العقيقة :
قال ابن القيِّم – رحمه الله – :
فالذبيحة عن الولد فيها معنى القُربان والشكران والفداء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكراً لله وإظهار لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح .
" تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 70 ) .
وبعد :
فهذا بعض ما تيسر لنا الوقوف عليه من عبادات وقرَب شُرعت ابتداء شكراً لله تعالى ، ومنه نستفيد أنه يجوز أن يشكر العبد ربَّه تعالى بعبادة من مثل ما سبق أو غيرها ، وقد رأينا ذلك في فعل الصحابة رضي الله عنهم ، وأقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :
أ. تصدق كعب بن مالك وأبي لبابة بماليهما شكراً لربِّهما تعالى على قبوله توبتهما .
عن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) قُلْتُ : فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ .
رواه البخاري ( 2606 ) ومسلم ( 2769 ) .
وقال أبو لبابة بن عبد المنذر للنبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً قَالَ ( يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ ) .
رواه أبو داود ( 3319 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
وقول كعب : " يا رسول الله إن من توبتى أن أنخلع من مالى " : دليل على استحباب الصدقة عند التوبة بما قدر عليه من المال .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 585 ، 586 ) .
وقال – رحمه الله – :
فإن الحديثَ ليس فيه دليل على أن كعباً وأبا لبابة نذرا نذراً منجَّزاً ، وإنما قالا : إن مِن توبتنا أن ننخلِعَ مِن أموالنا ، وهذا ليس بصريح فى النذر ، وإنما فيه العزمُ على الصدقة بأموالهما شكراً لله على قبول توبتهما ، فأخبر النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن بعضَ المال يُجزئ من ذلك ، ولا يحتاجان إلى إخراجه كله ، وهذا كما قال لسعد وقد استأذنه أن يُوصِىَ بماله كلِّه فأذن له فى قدر الثُلُث .
" زاد المعاد " ( 3 / 588 ) .
ب. عتق أبي هريرة لعبدٍ له شكراً لربه أن وصل للنبي صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ :
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا *** عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ : وَأَبَقَ مِنِّي غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ ) فَقُلْتُ : هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ، فَأَعْتَقْتُهُ .
رواه البخاري ( 2394 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وفي الحديث استحباب العتق عند بلوغ الغرض والنجاة من المخاوف .
" فتح الباري " ( 5 / 163 ) .

وعليه :
فلا حرج من التصدق أو العمرة أو الصوم أو الصلاة شكراً لله تعالى على من أنعم به على عبده من نعمة ، ودفع عنه من نقمة ، والأفضل أن يباشر العبد بسجدة شكر عند تلقيه خبر النعمة ، ثم يأتي بعد ذلك بما شاء من العبادات والقرَب المشروعة ، وليس كل ذلك على سبيل الوجوب ، بل هو مستحب ، وهذه طائفة من أقوال العلماء في ذلك :
أ. قال ابن رجب الحنبلي – في بيان درجات الشكر – :
الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المستحبُّ ، وهو أنْ يعملَ العبدُ بعد أداءِ الفرائض ، واجتنابِ المحارم بنوافل الطَّاعات ، وهذه درجةُ السَّابقين المقرَّبين ، وهي التي أرشد إليها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث التي سبق ذكرُها ، وكذلك كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يجتهد في الصَّلاة ، ويقوم حتَّى تتفطَّر قدماه ، فإذا قيل له : أتفعلُ هذا وقد غَفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول : ( أفلا أكونُ عبداً شكوراً ) .
" جامع العلوم والحكم " ( 1 / 246 ) .
ب. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح حديث ( أفلا أكونُ عبداً شكوراً ) – :
وفي هذا دليل على أن الشكر هو القيام بطاعة الله ، وأن الإنسان كلما ازداد في طاعة ربه عز وجل فقد ازداد شكراً لله عز وجل ، وليس الشكر بأن يقول الإنسان بلسانه " أشكر الله " ، " أحمد الله " ، فهذا شكر باللسان ، لكن الكلام هنا على الشكر الفعلي الذي يكون بالفعل بأن يقوم الإنسان بطاعة الله بقدر ما يستطيع .
" شرح رياض الصالحين " ( 2 / 71 ) .
ج. وفي " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 181 ) :
ويكون الشكر على ذلك أيضا بفعل قربة من القرب ، … .
ومن ذلك : أن يذبح ذبيحة أو يصنع دعوة .
انتهى مختصراً
وانظر جواب السؤال رقم ( 89705 ) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android