الوصية جائزة بالكتاب والسنة والإجماع ، وتصح لجهة عامة باتفاق الفقهاء .
راجع : "الموسوعة الفقهية" (43/222 ، 242)
فإذا أوصى بثلث ماله أو أقل لأعمال الخير صحت وصيته ، ووجب تنفيذها .
وإذا رأى الأوصياء تغيير الوصية إلى ما هو أفضل وأولى بالمصلحة العامة فلهم تغييرها على القول الراجح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ " انتهى .
الفتاوى الكبرى - (5 / 429)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم : فمنهم من قال : إنه لا يجوز ؛ لعموم قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 181 ، ولم يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير . ومنهم من قال : بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل ؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل ، ونفع الموصى له ، فكلما كان أقرب إلى الله ، وأنفع للموصى له كان أولى أيضاً ، والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل ، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به ؛ فالرجل الذي جاء إليه وقال : إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، فقال صلى الله عليه وسلم : (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال : (صل ها هنا) فأعاد الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم : (شأنك إذاً) .
والذي أرى في هذه المسألة أنه إذا كانت الوصية لمعين فإنه لا يجوز تغييرها ، كما لو كانت الوصية لزيد فقط ، أو وقف وقفاً على زيد ، فإنه لا يجوز أن تغير لتعلق حق الغير المعين بها ، أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد ، أو لفقراء - فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى .
"تفسير القرآن للعثيمين" (4 / 256) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
لدينا في جامع غرناطة مغسلة أموات قد بُنِيَتْ وصيةً ، ولكنها لم يُقَدَّرْ لها أن اشتغلت منذ أكثر من ثماني سنوات ؛ لعدة عوامل ، منها : عدم تهيئتها تهيئة تامة ، ومنها : وجود مغسلة كبيرة بجامع الراجحي بالربوة . ولشدة حاجتنا إليها في توسعة المسجد ، والاستفادة من مكانها ، فإنا نسأل عن حكم هدمها ، والاستفادة من مكانها ، وذلك لضيق المسجد ، وقلة مَرَافِقِهِ ؟
فأجاب :
"نرى أنه لا يجوز هدمها إلا بإذن الذين عَمَرُوها كوصية ، بعد إقناعهم بعدم الحاجة إليها ، وعدم العمل فيها ، وعدم تهيئتها، وشدة الحاجة إليها لتوسعة المسجد ، والاستفادة من مكانها لضيق المسجد ، وقلة مرافقه ، فلعلهم أن يسمحوا بها ، وتُنقل الوصية إلى مسجد آخر في أطراف البلد . والله أعلم" انتهى من موقع الشيخ .
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=11788
فإذا رأى الأوصياء أن المصلحة في تحويل ما تبقى من أموال الوصية الى وقف ، جاز لهم ذلك ، ويكونون هم نظار الوقف ؛ لأن الحق لهم في الوصية ، فالحق لهم في الوقف .
" وقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ ، فَإِذَا جَعَل النَّظَرَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ اتُّبِعَ شَرْطُهُ " . "الموسوعة الفقهية" (44 / 204) .
وحيث إن الموصي عين الأوصياء ، ورأى الأوصياء المصلحة في الوقف راجحة ، كان الحق لهم في نظارته .
فإن أرادوا أن يخلوا مسؤوليتهم من الوقف ، فالمرجع في ذلك هي القاضي الشرعي ، فهو الذي يتولى تعيين ناظر لهذا الوقف .
والله تعالى أعلم .