0 / 0
162,64721/05/2010

تفسير قوله تعالى : ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا )

السؤال: 147570

أريد تفسير هذه الآية ، لأنني قد صادفت بعض الماكرين من اليهود الذين يحاولون أن يضللوا الناس بشأن تفسيرها . الآية هي : قال تعالى : ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) وقد نقل لي بعضهم أن القرطبي قال في تفسيره : " ( الآخرة ) أي : يوم القيامة . ( جئنا بكم لفيفا ) أي : أخرجناكم من قبوركم ، وجمعنا المؤمنين وغير المؤمنين في مكان واحد " فهل هذا التفسير صحيح ، وهل يُنسب إلى الإمام القرطبي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الآيات المقصودة في السؤال هي الآيات الآتية من سورة الإسراء ، حيث يقول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا . قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا . فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا . وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) الإسراء/101-104.

وقد ناسب ذكر هذا المقطع من قصة موسى وبني إسرائيل سياق سورة الإسراء كاملة ، حيث بدأت بالحديث عن بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض ، ثم أعاد الحديث هنا عن واحد من مواقف التكذيب التي وقفها بعض بني إسرائيل ، رغم إرسال تسع معجزات ظاهرات باهرات ، ورغم الآية العظيمة التي رأوها عيانا حين انفلق البحر فلقتين .

فجاءت هذه الآيات في سياق الامتنان على بني إسرائيل بالتمكين في الأرض ، وتذكيرهم بنجاتهم من فرعون وعمله ، ووعظهم بأن هذا المتاع إنما هو إلى أجل مسمى ، وهو أجل الآخرة ، فإذا جاء يوم القيامة حشر الناس كلهم ، المؤمن والكافر ، والظالم والمظلوم ، في صعيد واحد مجتمعين ليقضي الله بينهم يوم الحساب الأكبر .

وهذا معنى قوله عز وجل : ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )

قال الإمام البغوي رحمه الله :

" ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ ) أي : من بعد هلاك فرعون ( لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ ) يعني : أرض مصر والشام .

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ ) يعني يوم القيامة ( جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) أي : جميعا إلى موقف القيامة . واللفيف : الجمع الكثير إذا كانوا مختلطين من كل نوع ، يقال : لفت الجيوش إذا اختلطوا ، وجمع القيامة كذلك ، فيهم المؤمن والكافر ، والبر والفاجر " انتهى.

" معالم التنزيل " (5/135)

وقال الإمام القرطبي رحمه الله :

" ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ ) أي : من بعد إغراقه . ( لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ ) أي : أرض الشام ومصر .

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ ) أي : القيامة .

( جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) أي : من قبوركم مختلطين من كل موضع ، قد اختلط المؤمن بالكافر ، لا يتعارفون ، ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وَحَيِّه .

وقال ابن عباس وقتادة : جئنا بكم جميعا من جهات شتى . والمعنى واحد.

قال الجوهري : واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، يقال: جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم.

والمعنى : أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر ، مختلطين لا يتعارفون " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (10/338)

وعلى ذلك عامة المفسرين ، أن المقصود بوعد الآخرة : هو يوم القيامة ، وأن معنى " لفيفا " أي : جميعا .

وقد راجعنا عشرات التفاسير المتقدمة فلم نجد أحدا يخالف هذا التفسير ، اللهم إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها قصة من الإسرائيليات ، يمكن مراجعتها في "جامع البيان" للإمام الطبري (13/174)

وبهذا يتبين أن استدلال بعض المعاصرين بهذه الآية على اجتماع اليهود في الأرض المقدسة في زماننا هذا ، وأنه من وعد الآخرة – استدلال فيه نظر .

ولم يتبين لنا وجه الاستغراب في أن يقول القرطبي الكلام المنسوب إليه في السؤال ، والذي هو كلامه وكلام غيره من أهل العلم ؛ وليس في ذلك تضليل في الدين ، ولا تشكيك في الشرع .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android