0 / 0
59,39104/12/2009

هل ثبت حديث في أن أعلى المؤمنين منزلة من يرى الله في الجنة مرتين كل يوم ؟

السؤال: 144199

سمعت أحدهم يقول : إن أفضل الناس رؤية لوجه الله هم الذين يرونه مرتين في اليوم .
هذا الكلام حرك تساؤلات لديَّ ، هل هذا الكلام صحيح ؟ وهل رؤية المؤمنين لله كذلك تتفاوت بحسب الأعمال والصلاح ؟ أم الكل يرى بنفس الدرجة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة من اعتقاد أهل السنَّة والجماعة ، وقد كثرت النصوص من الوحي على ذلك ، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – :

” والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً ، وقد ذكر البخاري بعضها في أواخر ” الصحيح ” في ” كتاب التوحيد ” ، وقد أجمع على ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة وأتباعهم .

وإنما خالف فيه طوائف أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ونحوهم ، ممن يرد النصوص الصحيحة ؛ لخيالات فاسدة ، وشبهات باطلة ، يخيلها لهم الشيطان ، فيسرعون إلى قبولها منه ، ويوهمهم أن هذه النصوص الصحيحة تستلزم باطلاً ، ويسميه تشبيهاً أو تجسيماً ، فينفرون منه ” انتهى من ” فتح الباري ” لابن رجب ( 4 / 63 ) .

وقال الذهبي – رحمه الله – :

” وأما رؤية الله عيانا في الآخرة : فأمر متيقن ، تواترت به النصوص ، جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما ” انتهى من ” سير أعلام النبلاء ” ( 2 / 167 ) .

وقال ابن كثير – رحمه الله – :

” وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” ( 8 / 279 ) .

وينظر جواب السؤال رقم (116644 ) .

ثانياً:

أما ما ورد من رؤية المؤمنين ربَّهم تعالى كل يوم مرتين : فلم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الغيب الذي لا يُقبل من أحد إلا بوحي .

وقد ورد ذلك في عدة روايات ، وكلها من حديث عن ابْنِ عُمَرَ يقول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً ) ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )

رواه الترمذي ( 2553 ) .

وقال :

” وقد روي هذا الحديث عن غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا .

ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا .

وروى عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ، ولم يرفعه .

حدثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن بن عمر نحوه ولم يرفعه ” انتهى .

والحديث لا يصح مرفوعاً ، ولا موقوفاً ، وعلة المرفوع والموقوف : ثوير بن أبي فاختة .

قال الذهبي – رحمه الله – : ” واهي الحديث ” انتهى من ” مستدرك الحاكم ” ( 2 / 553 ) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :

” لا أعلم أحداً صرح بتوثيقه ، بل أطبقوا على تضعيفه ، وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بيِّن ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 13 / 419 ) .

وقال الهيثمي – رحمه الله – :

” في أسانيدهم – أي : أحمد وأبو يعلى والطبراني – : ثوير بن أبى فاختة ، وهو مجمع على ضعفه ” من ” مجمع الزوائد ” ( 10 / 401 ) .

قال الشيخ الألباني – رحمه الله – :

” فلا يصح الحديث لا مرفوعاً ولا موقوفاً ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ” ( 4 / 451 ) .

ثالثاً:

رغم ما أشرنا إليه من ضعف الحديث ، فإن الظاهر أن أهل الجنة لا يتساوون في رؤية الله جل جلاله التي هي أعظم نعيمهم ، فإن الرؤية إذا كانت ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم ، كان من المعقول أن تتفاوت منازلهم في هذه الرؤية ، ويتفاوت تنعمهم بها ، بحسب تفاوت منازلهم في الجنة ؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى القول بموجب هذا الحديث ، رغم ما في إسناده من مقال .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ ” الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ ” عَلِمَ أَنَّ التَّجَلِّيَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَهُ عِنْدَهُمْ وَقْعٌ عَظِيمٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ أَكْثَرَ ” .

ثم قال :

” ثُمَّ هَذَا مِنْ الْمُمْكِنِ : أَنَّ ” الرُّؤْيَةَ جَزَاءُ الْعَمَلِ ” ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَوَابُ شُهُودِ الْجُمُعَةِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ فِيهَا يَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَتَفَاوُتِ الثَّوَابِ بِتَفَاوُتِ الْعَمَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ … ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِحَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الصَّالِحَ إذَا انْقَضَتْ الْجُمُعَةُ اشْتَغَلَ بِمَا أُبِيحُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأُولَئِكَ اشْتَغَلُوا بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ ، فَكَانُوا مُتَقَرِّبِينَ إلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، فَقَرُبُوا مِنْهُ بَعْدَ الْجُمْعَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذِهِ ” الْمُنَاسَبَةُ الظَّاهِرَةُ ” الْمَشْهُودُ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ التَّجَلِّيَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .. ” انتهى .

“مجموع الفتاوى” (6/455-457) .

وقال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله :

“كل من دخل الجنة فسيرى الله ، ولكن الرؤية تتفاوت ؛ منهم من يراه بكرة وعشياً ، ومنهم من يراه في الأسبوع مرة في يوم جمعة ، كما جاء النص في ذلك ؛ فالرؤية تتفاوت حسب الأعمال والإيمان كما تتفاوت درجات الجنة  ” انتهى .

“شرح الواسطية” ، الغنيمان .

وسئل الشيخ العثيمين – رحمه الله – :

هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل ؟ .

فأجاب :

” الظاهر : أنها حسب العمل والدرجة ؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” ( 228 / السؤال رقم 3 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android