0 / 0
44,84303/02/2010

هل تطبيق عقوبة المرتد خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؟

السؤال: 142522

استمعت لعالم قال إن عقوبة القتل للردة كانت مقتصرة على زمان النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، وأنها لا تطبق على من ارتد في زماننا هذا . وقال إنها طبقت على اليهود الذين قالوا ندخل الإسلام ثم نتركه لنضعفه. فما قولكم في هذا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

عقوبة قتل المرتد ثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة التي لا مجال لإنكارها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (14231) .

إلا أن كثيراً من المنهزمين فكرياً من أبناء هذه الأمة يحاولون التنصل من هذا الحكم الشرعي الصريح ، وإيجاد المبررات التي قد تبدو منطقية ومقبولة لدى الغرب .

ومن ذلك زعم بعضهم : أن قتل المرتد إنما شُرع رداً على سياسة اليهود الذين أرادوا زعزعة هذا الدين والتشكيك فيه عن طريق الدخول في الإسلام ثم الخروج منه ، مما يورث شبهة وشكاً عند أتباعه ، وليس هو حكماً عاماً يشمل كل من خرج من دين الإسلام .

وعضدوا قولهم هذا بما أخبر الله عنه من سياسة اليهود : (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) آل عمران/72 .

 وهذا القول باطل ، لا نعلم أحداً قاله من علماء الإسلام وفقهائه المعتبرين ، وليس في النصوص الشرعية ما يؤيده أو يدل عليه .

وليس في الآية المذكورة دليل على أن عقوبة المرتد (وهي القتل) كان بسبب هؤلاء اليهود ، ولا أنها خاصة بهم أو بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقصارى ما في الآية الإخبار عن مكيدة يهودية أرادوا بها أن يلبسوا على الضعفاء من الناس ، بأن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين ، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ، ليقول الناس : إنما رَدّهم إلى دينهم اطّلاعهُم على نقيصة وعيب في دين المسلمين. ينظر : “تفسير ابن كثير” (2/59) .

وليس في هذه الآية ولا غيرها من النصوص الشرعية ما يدل أو يشير إلى أن مشروعية قتل المرتد كان بسبب هذه المؤامرة ، فضلا ًعلى أن تكون خاصة بهم .

ومن الأدلة على بطلان هذا القول :

أولا : عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (2794) .

و”مَنْ” اسم شرط ، ومن المقرر عند علماء الأصول أن اسم الشرط يفيد العموم ، فهذا الحكم عام في كل من ارتد عن دين الإسلام في كل زمان ومكان  ، ومن رام تخصيصه في زمن معين فيلزمه الدليل الشرعي الواضح على هذا التخصيص .

ثانياً : جريان عمل الأمة الإسلامية على تطبيق “عقوبة الردة” من بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم في العصور كافةً من غير نكير من أحد من أهل العلم .

فقاتل أبو بكر المرتدين عن دين الإسلام ، وتبعه الصحابة على ذلك ولم يخالفه منهم أحد .

وأمر عمر بن الخطاب بقتل جماعة من المرتدين كما رواه عبد الرزاق  في ” المصنف” (10/168) عن عبد الله بن عتبة قال : أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق ، فكتب فيهم إلى عمر .

فكتب إليه : (أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن قبلوها فخل عنهم ، وإن لم يقبلوها فاقتلهم) .

فقبلها بعضهم فتركه ، ولم يقبلها بعضهم فقتله .

وكذلك قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه جماعة من المرتدين ، وأقره على قتلهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (6922) .

وفي ” المصنف” لعبد الرزاق (10/170) عن أبي عمرو الشيباني : أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه ، فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي ، فاستتابه فلم يتب ، فقتله .

وقتل أبو موسى الأشعري ومعاذ رضي الله عنهما يهودياً أسلم ثم ارتد .

ففي البخاري (7157) ومسلم (1824) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى ، فَقَالَ : مَا لِهَذَا؟

قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ .

قَالَ معاذ : لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وحوادث قتل المرتين وشواهده في التاريخ كثيرة جداً ، لا يمكن حصرها .

ثالثاً : لم يقل أحد من علماء الإسلام في تاريخ هذه الأمة على مدار أربعة عشر قرناً أن “عقوبة المرتد ” خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يخفى الحق في هذه المسألة الهامة على علماء الأمة على مدار هذه الأزمان حتى يأتي في هذا الزمن من يبينه لهم !!.

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى : ” وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَمُعَاذٍ , وَأَبِي مُوسَى , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَخَالِدٍ , وَغَيْرِهِمْ , وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ , فَكَانَ إجْمَاعًا “. انتهى ” المغني” (9/16) .

والردة ليست مجرد موقف عقلي ، بل هي تغيير للولاء ، وتبديل للهوية ، وتحويل للانتماء ، فالمرتد ينقل ولاءه ، وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى ، فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضواً في جسدها ، وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها .

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) ، رواه البخاري (6878) ، ومسلم (1676) .

فكلمة (المفارق للجماعة) وصف كاشف ؛ لأن كل مرتد عن دينه هو مفارق للجماعة .

وإن التهاون في عقوبة المرتد يعرض المجتمع كله للخطر ، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه وتعالى ، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره ، وخصوصاً الضعفاء والبسطاء من الناس .

وللوقوف على حكمة قتل المرتد ينظر جواب السؤال (12406) ، (20327).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android