0 / 0

الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس ، ومعنى عدم دخولنا الجنة بأعمالنا

السؤال: 115075

قرأت العديد من الآيات في القرآن ، وفي الحديث ، أن الله رحيم لدرجة أن رحمته تشمل كل شيء ، ويحب أن يغفر لعباده في أي وقت ، إذا تابوا ، لكنَّ شيئاً جعلني أتساءل : ما دام أن الله رحيم : فلماذا لم يغفر خطأ الشيطان ، وقد كان من عباد الله ولم يرتكب الشرك ؟ وكما قال الله في القرآن : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، فهذا يجعلني أخاف حيث إنه لم يغفر للشيطان بسبب خطئه الوحيد ، فكيف يمكن أن يغفر لنا أخطاءنا الكثيرة ؟ وكذلك أن كل واحد سيدخل الجنة ليس بعمله الصالح وإنما برحمة الله ، هذا يجعلني أبكي ، هل سيغفر الله لي ذنوبي ويريني رحمته ، ويسمح لي بدخول الجنة ، فإنه رحيم بعباده بحق .
أرجو التوضيح ، وإزالة شكوكي ، وأكون ممتناً لكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

هذا من أغرب الأسئلة التي وصلت لموقعنا ، ولعلَّ حداثة سنِّك – أخي السائل – هي السبب ، ونحن نشعر من رسالتك أن عندك خيراً عظيماً ، وقلباً رقيقاً ، وإحساساً مرهفاً ، ونشد على يديك لتبقى على هذا الخير ، والصدق ، والحرص على ما ينفعك .

والجواب على سؤالك وإشكالك سهل ويسير ، وهو أن إبليس لم يتب أصلاً ، ولم يستغفر ربَّه تعالى ، ولم يطلب منه الصفح والعفو ، فكيف سيغفر الله تعالى له وهو يصر على كبره ، وغروره ، ويعصي أمر ربه تعالى المباشر له ؟! .

وليس لك أن تقارن ذلك بمغفرة الله تعالى لآدم عليه السلام ؛ ذلك لأن آدم عليه السلام استغفر ربَّه من أكل الشجرة ، وندم على ما حصل منه من معصية ربه عز وجل ، قال تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/ 37 .

وقال تعالى – عن آدم وحواء – : ( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/ 23 .

وقارن هذا بتكبر إبليس وغروره بعد الأمر المباشر من رب العالمين :

قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) البقرة/ 34.

وانظر ماذا قال بعد علمه بسخط الله تعالى عليه لمخالفته أمره :

قال تعالى – عنه – : ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحِجر/ 39 .

وقال تعالى : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) الأعراف/ 16 ، 17 .

فانظر لهذا العدو الخبيث كيف يصف ربه بأنه أغواه ، وأضلَّه ! – حاشا لله – ، وكيف أنه طلب طول العمر لا لكي يراجع نفسه ويتوب ، بل ليضل من يستطيع إضلاله من الناس ؛ لئلا يكونوا مهتدين .

قال الطبري – رحمه الله – :

وأما قوله : ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) فإنه يقول : لأجلسنَّ لبني آدم ( صراطك المستقيم ) ، يعني : طريقك القويم ، وذلك دين الله الحق ، وهو الإسلام ، وشرائعه ، وإنما معنى الكلام : لأصدَّن بني آدم عن عبادتك ، وطاعتك ، ولأغوينهم كما أغويتني ، ولأضلنهم كما أضللتني .

” تفسير الطبري ” ( 12 / 334 ) .

وبه يتبين لك أخي السائل :

1. أن آدم عليه السلام كانت معصيته بفعل المحظور ، وكانت معصية إبليس ترك المأمور ، وبينهما فرق شاسع ، من أوضحه :

2. أن سبب معصية آدم الشهوة ، وسبب معصية إبليس الكِبر والغرور ، وبينهما فرق عظيم ، وقد بان ذلك في نتائجهما :

3. فآدم عليه السلام تاب ، واعترف أنه ظلم نفسه ، وإبليس أبى ، واستكبر ، وتوعَّد الناس أن يُضلَّهم ، ويغويهم .

قال ابن القيم – رحمه الله – :

هذه مسألة عظيمة لها شأن ، وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي ، وذلك من وجوه عديدة : … ( وذكر ثلاثاً وعشرين وجهاً ) .

” الفوائد ” ( ص 125 – 135 ) .

والله تعالى يقبل توبة التائب حتى لو كان أشرك معه سبحانه إلهاً آخر ، بل ويبدِّل سيئاته حسنات ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68 – 70 .

فلا تقلق أخي السائل ، فرحمة الله واسعة ، والله تعالى يتقبل توبة التائب ، ولو بلغت ذنوبه عنان السماء ، قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 .

ولو أن إبليس اعترف بذنبه ، وتاب لربه تعالى : فلن يجد باباً مغلقاً ، وهو أعلم بربه من غيره ، ولم يكن ثمة ما يدعوه للعناد إلا كبره ، وغروره ، ورضي أن يكون قائد أهل النار من أجل هذا .

ثانياً:

أما دخول الجنة برحمة الله تعالى : فهو حق لا ريب فيه ، وإنما لا يدخل أحدٌ الجنة بعمله : لأنه ليس ثمة عمل يقوم به العبد – ولو عظُم – يبلغ أن يكون ثمناً لدخوله الجنة ، فسلعة الله غالية .

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ ) قَالَ رَجُلٌ : وَلاَ إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( وَلاَ إِيَّايَ إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا ) .

رواه البخاري ( 6098 ) ومسلم ( 2816 ) .

لكنْ للعمل فائدتان مهمتان :

الأولى : أنه يحصِّل به الرحمة التي تكون سبباً لدخول الجنة .

والثانية : أن المنازل تتفاوت في الجنة بحسب الأعمال .

قال ابن بطال – رحمه الله – :

فإن قال قائل : فإن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل أحدكم عمله الجنة ) يعارض قوله تعالى : ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الزخرف/ 72 ، قيل : ليس كما توهمتَ ، ومعنى الحديث غير معنى الآية ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله ، وإنما يدخلها العباد برحمة الله ، وأخبر الله تعالى في الآية أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال ، ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم ، فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها ، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها ، فلا تعارض بين شيءٍ من ذلك .

” شرح صحيح البخاري ” ( 10 / 180 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

وكذلك أمر الآخرة ، ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة ، بل هي سبب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) ، وقد قال تعالى : ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) ، فهذه باء السبب ، أي : بسبب أعمالكم ، والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم : باء المقابلة ، كما يقال : اشتريت هذا بهذا ، أي : ليس العمل عوضاً وثمناً كافياً في دخول الجنة ، بل لا بد من عفو الله ، وفضله ، ورحمته ، فبعفوه : يمحو السيئات ، وبرحمته : يأتي بالخيرات ، وبفضله : يضاعف البركات .

” مجموع الفتاوى ” ( 8 / 70 ، 71 ) .

فلعلك علمتَ الآن أن هذا الحديث لا يدعو للقلق ، ولا لليأس ، بل هو يدفع نحو العمل ؛ لأنه بالعمل تحصِّل رحمة الله ، وبالعمل ترتفع درجاتك في الجنان .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android