0 / 0

رجعت لها وساوس الصلاة ، فلا تخشع فيها

السؤال: 114539

كنت أعاني من وساوس الشيطان ، لكن الحمد لله تخلصت منها ، لكن الآن أصبحت مختلفة , أصبحت الوساوس في الصلاة , يعني أنني لا أخشع , وأستعيذ بالله ، وأحاول أبعدها , لكن بدون فائدة ، والمشكلة أن إيماني يقل لدرجة كبيرة , وإذا قلَّ الإيمان تقل الأعمال الصالحة .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من علامات صلاح العبد وحياة القلب أن لا يزال في مراجعة تامة لأحواله ، وأعماله ، وخطراته ، فالحساب يوم القيامة عسير ، والناقد سبحانه وتعالى بصير ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
غير أننا نخطئ حين نظن أن حياة القلب أمر يسير ، يمكن استجلابه في أي حين ، أو يمكن تحصيله بأي سبب ، ولو كان الأمر كذلك لما وجدت درجات الجنة ولا دركات النار ، ولما تفاضل الناس في الإيمان ، بل لصافحتنا الملائكة بالطرقات .
كلنا يعلم – أختي الكريمة – مكامن الضعف في نفسه ، ومواضع الزلل في قلبه ، ومتى يزداد الإيمان في قلوبنا ، ومتى يهن اليقين في عزائمنا ، نَجِدُّ ونكبو ، ونسعى ونتعثر ، ونحن في ذلك كله متعلقون برحمة الله وعطفه وإحسانه ، لا لفضلنا ومنزلتنا ، وإنما لكرمه وجوده وواسع فضله سبحانه ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، يعلم ضعفنا وعجزنا ، وخطأنا وجهلنا ، وكل ذلك عندنا ، بل جعل جميع تلك الخواطر والأحوال من آياته التي يقسم بها ، فقال عز وجل : ( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) القيامة/1-2 .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " أما النفس اللوامة : فقال قرة بن خالد ، عن الحسن البصري في هذه الآية : إن المؤمن – والله – ما نراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه " انتهى باختصار .
"تفسير القرآن العظيم" (8/275) .
تأكدي أختي الكريمة أن الذي يظن أنه يجد الطمأنينة التامة في الدنيا ، والخشوع الكامل ، أو أنه لا يتعرض لوساوس الشيطان ونفثات النفس الأمارة بالسوء ، فقد أخطأ ظنه ، ولم يفلح في تجاوز ما يواجه من ذلك ، فالخطوة الأولى في العلاج هي تقبل الأمر ، واحتساب الأجر عند الله عز وجل ، وبهذا تتخلص النفس من أرق كبير يسببه شعورها بالتفرد بالمعاناة ، والشذوذ عن جميع الناس .
ولا يعني ذلك القعود والتكاسل عن تحصيل معالي الأمور ، بل طلب الخشوع من الواجبات باتفاق العلماء ، لكن الذي نعنيه من ذلك الحث على المصابرة والمجاهدة في استجلاب اليقين التام ، والتذلل الكامل لله عز وجل ، في الصلاة وخارجها ، والله سبحانه وتعالى سيكتب لكل من جاهد في سبيل ذلك الأجر العظيم عنده ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/69 ، وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/200 .
والمسلم الذي يؤمن بهذه الآيات الكريمات ، لا يصيبه اليأس من تحصيل ما وعده الله تعالى من النجاح والفلاح ، فالمهم هو سلوك الطريق الصحيح إلى الله عز وجل ، وطلب أسباب الخشوع والطمأنينة ، وتحمل العناء في سبيل ذلك ، فإذا أصاب بعد ذلك المطلوب فهنيئا له جنة الدنيا قبل جنة الآخرة ، وإلا فثوابه في الآخرة عند الله تعالى ثواب الصابرين ، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
ونرجو من الأخت السائلة أن تستعين بما سبق نشره في موقعنا من نصائح مفيدة في أمر الخشوع ودرء الوساوس وعلاجها ، لم نشأ أن نكررها هنا خشية الإطالة أو الإملال ، وهي تحمل الأرقام الآتية : (25778) ، (39684) ، (106426) .
كما ننصح بمراجعة قسم " الكتب " في موقعنا ، وقراءة رسالة بعنوان ( 33 سببا للخشوع في الصلاة ) ، ففيها أمور مفيدة إن شاء الله تعالى .
ومع ذلك فلا نخلي جوابنا هنا من فائدة جديدة ، ننقلها عن واحد من أكثر العلماء عناية بهذه الأبواب ، وهو الإمام الغزالي رحمه الله ، فنرجو قراءة هذا النص الذي ننقله عنه بمزيد عناية وتأمل .
يقول رحمه الله :
" لا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة ، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه …. فمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد ، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب .
فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ، ويشغلها به عن غيره ، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم ، بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة ، وموقف المناجاة ، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه ، وهو المطلع ، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه ، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره .
فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن ، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق ، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات ، وقطع تلك العلائق ، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه ، وجند إبليس عدوه ، فإمساكه أضر عليه من إخراجه ، فيتخلص منه بإخراجه ، كما أنه صلى الله عليه و سلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ، وائتوني بأنبجانية أبي جهم ) ، وكان صلى الله عليه و سلم في يده خاتم ، وكان على المنبر ، فرماه وقال : ( شغلني هذا ، نظرة إليه ، ونظرة إليكم ) …… ، ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها ، لا ليتزود منها ، ولا ليستعين بها على الآخرة ، فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة ، فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته .
وهمة الرجل مع قرة عينه ، فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه ، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ، ورد القلب إلى الصلاة ، وتقليل الأسباب الشاغلة ، فهذا هو الدواء المر ، ولمرارته استبشعته الطباع ، وبقيت العلة مزمنة ، وصار الداء عضالا .. وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا .
وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخلٍّ ، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخلِّ لا محالة ، ولا يجتمعان " انتهى باختصار .
"إحياء علوم الدين" (1/161-165) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android