0 / 0
35,13619/03/2008

إذا قلد عالمًا معروفا بالعلم والأمانة لم يأثم

السؤال: 105721

أنا طالب مبتعث للدراسة في دولة غير مسلمة ، وسؤالي هو : هل علي إثم إذا أخذت برأي أحد العلماء المشهود لهم بالعلم والورع في مسألة تخص العبادات – مع ظني أن معه دليلا ملحوظة : الموضوع يتعلق أساسا بمسألة القصر والجمع في الصلاة لمن هو في مثل حالتي ، صحيحا – ؟ فهل علي إثم إذا أخذت برأيه ، والذي قد يكون أيسر لظروفي ، حتى وإن خالف رأي غيره ؟ وهل ذلك من السعة في الدين ؟ مع الاستشهاد أيضا بما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه كان يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثما . وأنا أواجه صعوبات كثيرة قد لا يدركها إلا من يجربها ، ولكن – والله أعلم – ليست الرخصة هنا بسبب المشقة فقط ، ولكن إن الله يحب أن تؤتى رخصه . الرجاء إجابة سؤالي ، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ليس على مَن قلَّد واحدا مِن أهل العلم ، المعروفين بالعلم والأمانة ، إثم ، إذ هو ممتثل بتقليده قول الله عز وجل : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43 ، والعالم بالنسبة للعامي كالدليل ، يجب عليه أن يبحث عنه ويتبع فتواه .
يقول الشاطبي في "الموافقات" (4/292) :
" فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين ، والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء ، إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئا ، فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم ، ولا يجوز ذلك لهم ألبتة ، وقد قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، والمقلد غير عالم ، فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر ، وإليهم مرجعه في أحكام الدين على الإطلاق ، فهم إذًا القائمون له مقام الشارع ، وأقوالهم قائمة مقام الشارع " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (32/47-49) :
" يجب على المستفتي إن وقعت له حادثة أن يسأل متّصفاً بالعلم والعدالة .
قال ابن عابدين نقلاً عن الكمال بن الهمام : الاتّفاق على ِحلّ استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة ، أو رآه منتصباً والنّاس يستفتونه معظّمين له ، وعلى امتناعه من الاستفتاء إن ظنّ عدم أحدهما – أي : عدم الاجتهاد أو العدالة – .
– إن وجد المستفتي أكثر من عالم ، وكلّهم عدل وأهل للفتيا :
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المستفتي بالخيار بينهم ، يسأل منهم من يشاء ويعمل بقوله ، ولا يجب عليه أن يجتهد في أعيانهم ليعلم أفضلهم علماً فيسأله ، بل له أن يسأل الأفضل إن شاء ، وإن شاء سأل المفضول مع وجود الفاضل ، واحتجّوا لذلك بعموم قول اللّه تعالى :
( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وبأنّ الأوّلين كانوا يسألون الصّحابة مع وجود أفاضلهم وأكابرهم وتمكّنهم من سؤالهم .
– إن سأل المستفتي أكثر من مفت فاتّفقت أجوبتهم ، فعليه العمل بذلك إن اطمأنّ إلى فتواهم.
وإن اختلفوا ، فللفقهاء في ذلك طريقان :
فذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة وابن سريج والسّمعانيّ والغزاليّ من الشّافعيّة – إلى أنّ العامّيّ ليس مخيّراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء ، بل عليه العمل بنوع من التّرجيح .
والأصحّ والأظهر عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة : أنّ تخيّر العامّيّ بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز ، لأنّ فرض العامّيّ التّقليد ، وهو حاصل بتقليده لأيّ المفتيين شاء " انتهى باختصار .
ثانيا :
الواجب عليك – أخي السائل – أن تعرض مسألتك على العالم الذي اشتهر علمه وأمانته وثقته ، ثم تأخذ بفتواه وتلتزمها ، ولا يجوز أن تقصِدَ تتبعَ الرخص والأسهل من الفتاوى ، إلا في حالة واحدة : وهي أن يكون الخلاف بين المفتين في مسألة فرعية اجتهادية ، ليس فيها نصوص من الكتاب أو السنة ترجح أحد الأقوال ، وإنما مرجع الترجيح فيها الرأي والاجتهاد المحض ، فلا حرج حينئذ من الأخذ بالرخصة من هذه الأقوال إذا احتاج المسلم لها ، فالقاعدة الشرعية تقول : " المشقة تجلب التيسير " .
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/46، سؤال رقم/2) :
" السؤال : هل يجوز استفتاء أكثر من عالم ؟ وفي حالة اختلاف الفتيا ، هل يأخذ المستفتي بالأيسر أم بالأحوط ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
لا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقاً بقوله أن يستفتي غيره ؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص ؛ بحيث يسأل فلاناً ، فإن لم يناسبه سأل الثاني ، وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا . وقد قال العلماء في تتبع الرخص : فِسق .
لكن أحياناً يكون الإنسان ليس عنده من العلماء إلا فلان مثلاً ، فيسأله من باب الضرورة ، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله ، فهذا لا بأس به أن يسأل الأول للضرورة ، ثم إذا وجد من هو أفضل سأله .
وإذا اختلف العلماء عليه في الفتيا ، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم – مثلاً – ، فإنه يتبع مَن يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه .
فإن تساوى عنده الرجلان في العلم والدين :
فقال بعض العلماء : يتبع الأحوط وهو الأشد .
وقيل : يتبع الأيسر .
وهذا هو الصحيح ؛ أنه إذا تعادلت الفتيا عندك فإنك تتبع الأيسر ؛ لأن دين الله عز وجل مبني على اليسر والسهولة ، لا على الشدة ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ) " انتهى .
وعليه : فلا يجوز لك الأخذ بقول من يقول بالرخصة إلا بشرطين اثنين :
1- ألا يكون قد خالف جماهير أهل العلم من السلف والخلف ، فهو – ولا شك – الأعلم والأورع الذين ينبغي على الناس اتباع مذهبهم .
2- وأن تتكافأ الأدلة التي يذكرها أصحاب القولين في المسألة ، فلك ـ حينئذ ـ أن تأخذ بالأيسر من القولين .
والله أعلم .
ويمكنك مراجعة ما سبق في موقعنا في هذا الباب في الأرقام الآتية : (9516) ، (22652) ، (30842)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android