0 / 0
42,26402/12/2005

هل يجبُ تعلُّمُ فقهِ البيوعِ والمعاملاتِ الماليةِ ؟

السؤال: 71178

هل تعلُّم فقهِ البيوعِ والمعاملاتِ الماليَّةِ واجبٌ ( فرضُ عينٍ ) على كل من تعاملَ بالبيعِ والشراء ، كالصيادلةِ ومندوبي شركاتِ الأدوية ؟.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا علمَ المسلمُ أن المقصدَ والغايةَ من خلقه في الحياةِ الدنيا هو الالتزامُ بتكاليفِ اللهِ وشرعِه ، والتعبدُ للهِ سبحانه وتعالى بذلك ، علمَ أيضًا أنه يجبُ عليه تعلُّمُ أحكامِ شرع الله ، ومعرفةُ تكاليفِه ، وذلك أن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ .

وجاء في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قالَ : ( طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ ) . رواه ابن ماجه (224) وحسنه بكثرة طرقه وشواهده : المزي والزركشي والسيوطي والسخاوي والذهبي والمناوي والزرقاني ، وهو في "صحيح ابن ماجه" للألباني .

وقد نصَّ أهلُ العلمِ على صحَّةِ معنى هذا الحديثِ .

قال ابنُ عبدِ البرِّ رحمه الله :

" ولكنَّ معناه صحيحٌ عندهم ، وإن كانوا قد اختلفوا فيه اختلافًا متقاربًا " انتهى .

"جامع بيان العلم" (1/53) .

وبنحوه قال النووي في "المنثورات" (ص287) ، وابن القيم في "مفتاح دار السعادة" ( 1/480) .

وقال ابن عبد البر أيضاً :

" قد أجمعَ العلماءُ على أنَّ من العلمِ ما هو فرضٌ متعيِّنٌ على كل امرئٍ في خاصَّتِه بنفسِه ، ومنهُ ما هو فرضٌ على الكفاية ، إذا قامَ به قائمٌ سقطَ فرضُه على أهلِ ذلك الموضع " انتهى .

"جامع بيان العلم وفضله" (1/56) .

وقد بيَّنَ العلماءُ رحمهم الله العلمَ الواجبَ وجوبًا عينيّاً ، وتكلموا في المقدارِ الذي هو فرضُ عينٍ على كل مسلمٍ تعلُّمُه , وذكروا أن منه : تعلم أحكام البيوع لمن يعمل بالتجارة , حتى لا يقع في الحرام أو الربا وهو لا يدري , وقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ما يؤيد ذلك .

قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه : لاْ يَبِعْ فِيْ سُوْقِنَا إِلاْ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِيْ الدِّيْنِ . رواه الترمذي (487) وقال: حسن غريب . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه : مَنِ اتَّجَرَ قبلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِيْ الرِّبَا ، ثُمَّ ارْتَطَمَ ، ثُمَّ ارْتَطَمَ . أي : وقع في الربا .

"مغني المحتاج" (2/22) .

قال ابنُ عبدِ البر :

" والذي يلزمُ الجميعَ فرضُه من ذلك :

ما لا يسعُ الإنسانَ جهلُه من جملةِ الفرائضِ المفترضةِ عليه :

نحو : الشهادةُ باللسانِ والإقرار بالقلبِ بأنَّ اللهَ وحدَه لا شريكَ له… وأنَّه لم يزل بصفاتِه وأسمائِه ، ليس لأوَّليتِه ابتداءٌ ، ولا لآخريَّتِه انقضاءٌ ، وهو على العرشِ استوى .

والشهادةُ بأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه ، وأنَّ البعثَ بعدِ الموتِ للمجازاةِ بالأعمالِ ، وأنَّ القرآنَ كلامُ الله ، وما فيه حقٌ .

وأنَّ الصلواتِ الخمسَ فرضٌ ، ويلزمُه من علمِها علمُ ما لا تتمُّ إلا به من طهارتِها وسائرِ أحكامِها .

وأنَّ صومَ رمضانَ فرضٌ ، ويلزمُه علمُ ما يُفسِدُ صومَه وما لا يتِمُّ إلا بِهِ .

وإن كان ذا مالٍ وقدرةٍ على الحجِّ ، لزمَه فرضًا أن يعرفَ ما تجبُ فيه الزكاةُ ، ومتى تجبُ ، وفي كم تجبُ ، ويلزمه أن يعلمَ بأن الحجَّ عليه فرضٌ مرةً واحدةً في دهرِه إن استطاعَ إليه سبيلًا .

إلى أشياءَ يلزمُه معرفةُ جُمَلِها ، ولا يُعذَرُ بجهلِها نحوُ : تحريمِ الزنا والربا ، وتحريمِ الخمرِ والخنزيرِ وأكلِ الميتةِ والأنجاسِ كلِّها ، والغصبِ والشهادةِ بالزورِ وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ ، وتحريمِ الظلمِ كلِّهِ ، وتحريمِ نكاحِ الأمهاتِ والأخواتِ ومن ذُكِرَ معهنَّ ، وتحريمِ قتلِ النفسِ المؤمنةِ بغيرِ حقٍ .

وما كان مثلَ هذا كلِّه مما قد نطقَ الكتابُ به ، واجتمعت الأمةُ عليه " انتهى .

"جامع بيان العلم" (1/57) .

وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ (30/293) :

" قال ابنُ عابدين نقلاً عن العَلاميّ :

وفرضٌ على كلِّ مكلّفٍ ومكلّفةٍ بعدَ تعلّمِه علمَ الدينِ والهدايةِ ، تعلُّمُ علمِ الوضوءِ والغسلِ والصلاةِ الصومِ وعلم الزكاة لمن له نصاب ، والحجّ لمن وجب عليه .

والبيوعِ على التّجّارِ ليحترزوا عن الشّبهاتِ والمكروهاتِ في سائرِ المعاملاتِ ، وكذا أهلِ الحِرَفِ .

وكلُّ من اشتغلَ بشيءٍ يُفرَضُ عليه علمُه وحكمُه ليمتنعَ عن الحرامِ فيه .

وقالَ النوويُّ : وأمّا البيعُ والنّكاحُ وشبههُما – ممّا لا يجبُ أصلُه – فيحرُمُ الإقدامُ عليه إلاّ بعدَ معرفةِ شرطِه " انتهى .

وقال الغزاليُّ رحمه اللهُ :

" كما أنَّه لو كان هذا المسلمُ تاجرًا وقد شاعَ في البلدِ معاملةُ الربا ، وجبَ عليهِ تعلُّمُ الحذرِ من الربا ، وهذا هو الحقُّ في العلمِ الذي هو فرضُ عينٍ ، ومعناه العلمُ بكيفيةِ العملِ الواجب " انتهى .

"إحياء علوم الدين" (1/33) .

وقالَ علي بن الحسن بن شقيق لابنِ المبارك :

ما الذي يسعُ المؤمنَ من تعليمِ العلمِ إلا أن يطلبَه ؟ وما الذي يجبُ عليه أن يتعلَّمَه ؟

قال : لا يسعُه أن يُقدِمَ على شيءٍ إلا بعلمٍ ، ولا يسعُه حتى يسألَ .

رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/56) .

وقال الغزاليُّ رحمه الله :

" كلُّ عبدٍ هو في مجاري أحوالِه في يومِه وليلتِه لا يخلو من وقائعَ في عبادتِه ومعاملاتِه عن تجددِ لوازمَ عليه ، فيلزمُه السؤالُ عن كلِّ ما يقعُ له من النوادرِ ، ويلزمُه المبادرةُ إلى تعلُّمِ ما يَتَوَقَّعُ وقوعَه على القربِ غالبًا " انتهى .

"إحياء علوم الدين" (1/34) .

والنصيحةُ لِمَن يشتغلُ بالتجارةِ والبيعِ والشراء ، أن يقرأَ بعضَ الكتبِ المختصرةِ في فقهِ المعاملاتِ ، مثل : "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان , وكتاب "ما لا يسعُ التاجرَ جهلُه" للأستاذين عبد الله المصلح وصلاح الصاوي .

واللهُ أعلم

وانظر سؤال رقم (20092) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android