زوجي يحلف كثيرا، ولا يكفر اليمين، وهو كثير النسيان أيضا، نصحته مرة، ولكن كلما أردت نصحه في أمور الدين تحول ذلك إلى شجار.
سؤالي هو:
أقسم بالله لي ألا ألمس بعض الأشياء في الخزانة، والتي صراحة لا حاجة لنا بها، وأحتاج إلى الخزانة لأرتب الأشياء فيها، فهل يكون علي إثم إذا خالفته، وقد أقسم لي بالله ألا افعل ذلك، ويغلب على ظني أنه قد نسي تلك الأشياء حتى لو نزعتها لن تؤثر عليه، والله اعلم؟
أولا:
يستحب إبرار قسم المسلم ما لم يكن في معصية.
قال في "كشاف القناع" (6/236): "(ويسن إبرار القسم)؛ لقول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: أقسمت عليك لتبايعنه. فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أبررت قسم عمي.
ولا يجب؛ لقول أبي بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم: «أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقسم يا أبا بكر رواه أبو داود" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (7/ 293) في بيان أقسام الحلف على الغير:
"أ - فمن حلف على غيره أن يفعل واجبا، أو يترك معصية: وجب إبراره؛ لأن الإبرار في هذه الحالة إنما هو قيام بما أوجبه الله، أو انتهاء عما حرمه الله عليه.
ب - ومن حلف على غيره أن يفعل معصية أو يترك واجبا: لم يجز إبراره، بل يجب تحنيثه؛ لحديث: (لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى).
ج - ومن حلف على غيره أن يفعل مكروها أو يترك مندوبا: فلا يبره، بل يُحَنِّثُه ندبا؛ لأن طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوق.
د - ومن حلف على غيره أن يفعل مندوبا أو مباحا، أو يترك مكروها أو مباحا، فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: (أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام).
وظاهر الأمر الوجوب، لكن اقترانه بما هو متفق على عدم وجوبه- كإفشاء السلام - قرينة صارفة عن الوجوب.
ومما يدل على عدم الوجوب أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر رضي الله عنه، فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا يشتمل على رؤيا قصها أبو بكر رضي الله عنه، وجاء في هذا الحديث أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بأبي أنت وأمي: أصبتُ أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضا وأخطأت بعضا. قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت؟ قال: لا تقسم).
فقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقسم ": معناه لا تكرر القسم الذي أتيت به؛ لأني لن أجيبك، ولعل هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل خلاف المستحسن إلا بقصد بيان الجواز، وهو يدل على أن الأمر في الحديث السابق ليس للوجوب، بل للاستحباب" انتهى.
ثانيا:
يلزم الزوجة طاعة زوجها في غير المعصية، فلو قال الزوج: لا تلمسي شيئا في هذه الخزانة، لزمت طاعته، ولو لم يقسم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الْوَاجِب عَلَيْهَا طَاعَة زَوجهَا إِذا لم يأمرها بِمَعْصِيَة، وطاعته أَحَق من طاعتهما [أي والديها] " انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" ص 347
وقال في "الدر المختار" (3/208) " وحقه عليها أن تطيعه في كل مباح يأمرها به" انتهى.
ومثله في "البحر الرائق" (3/237).
قال ابن عابدين في حاشيته عليه: "ظاهره: أنه عند الأمر به منه: يكون واجبا عليها، كأمر السلطان الرعية به" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (41/313): " اتفق الفقهاء على أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة، لقوله تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، ولقوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة.
واتفقوا كذلك على أن وجوب طاعة الزوجة زوجها مقيدة بأن لا تكون في معصية لله تعالى، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل "" انتهى.
وعليه؛ فإنه يلزمك أن تطيعي زوجك فيما أمرك أو نهاك عنه، ولو نسي ما حلف عليه، وتأثمين بمخالفته.
فإن أذن لك في لمس ما في الخزانة: فلا حرج حينئذ عليك، لكن يلزمه كفارة يمين، في قول جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا، فأحنثه ولم يفعل: فالكفارة على الحالف. كذلك قال ابن عمر وأهل المدينة وعطاء وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي؛ لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه" انتهى من "المغني" (11/ 248).
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه إن حلف على من يظن أنه يطيعه كزوجته وولده، فأحنثه: فلا كفارة؛ لأنه لغو.
وفي "الموسوعة الفقهية" (7/ 270): "وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك.
فقال: من حلف على غيره يظن أنه يطيعه، فلم يفعل، فلا كفارة؛ لأنه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنه إذا لم يطعه حنث الحالف، ووجبت الكفارة عليه" انتهى.
والأحوط هو إخراج الكفارة.
والله أعلم.
الأيمان
الاجابة
قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رزقه الله تعالى الكثير من القوة في أمر النكاح.
روى البخاري (268) عن أَنَس بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ ).
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
ويشهد لهذا الخبر ما رواه البخاري (267)، ومسلم (1192) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: ( كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا ).
وبوّب عليه البخاري بقوله: " بَابٌ: إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ " انتهى.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ووجه استدلال البخاري بالحديث على أن تكرار الجماع بغسل واحد:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اغتسل من كل واحدة من نسائه، لكان قد اغتسل تسع مرات، فيبعد حينئذ أن يبقى للطيب أثر، فلما أخبرت أنه أصبح ينضخ طيبا، استُدِلَّ بذلك على أنه اكتفى بغسل واحد " انتهى من "فتح الباري" (1/298).
وهذا الأمر الثابت لا يعارضه ما ورد في خبر الإكسال:
وهو ما رواه الإمام مسلم (350) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: ( إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ، ثُمَّ يُكْسِلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؟ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ ).
وله شاهد من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ( إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاغْتَسَلْنَا ) رواه الترمذي (108)، وابن ماجه (608).
قوله: ( ثُمَّ يُكْسِلُ ): أكسل الرجل في الجماع، إذا جامع الرجل زوجته فلم يَنزل منه المني، إما لضعف ووهن يلحقه، وإما على وجه العمد.
جاء في "القاموس المحيط" (ص1053):
" وأكْسَلَ في الجماع: خالطها ولم يُنْزل، أو عَزَل ولم يُرِد ولدا " انتهى.
وأحاديث الإكسال هذه لا تدل على الضعف عن الجماع، فلا تعارض بينها وبين ما ورد من قوته صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن أنّ حديث الإكسال ليس عن الرجل الذي لا يطيق الجماع ويضعف عنه، وإنما عن الرجل الذي يستطيع الجماع ويقوى عليه ويشرع فيه، لكنه لا ينزل؛ إما لعارض عرض له، أو لانصراف رغبته عن إتمامه، أو تعمده عدم الإنزال، لعدم الرغبة في الولد.
قال أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى:
" وفي الحديث: ( أنَّ رجلا سأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، فَقَالَ: إِنَّ أحدَنا يجامعُ فَيُكْسِلُ )، معناه: أنه يَفْتُر ذكره قبل الإنزال، وبعد الإيلاج " انتهى من "تهذيب اللغة" (10 / 61).
وليس في شيء من أحاديث الإكسال نسبة الوهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك؛ وإنما غاية ما هنالك ذكر "عدم الإنزال"؛ لا ذكر سبب ذلك؛ فإنه لا يتعلق به مقصود السائل؛ إنما غاية السائل أن يعلم: إذا جامع الرجل امرأته، وأولج، لكنه لم ينزل؛ هل عليه غسل؟ وهذا قدر مشترك بين صور الإكسال، وأسبابه كلها؛ فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد يحدث له ذلك، وهو عدم الانزال بعد الجماع، ويغتسل: ( إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ ).
وعدم إنزال الرجل لا يلزم منه الضعف وعدم القوة، فله أسباب عدة فقد يكون عن عمد، كما مرت الاشارة إليه في كلام أهل اللغة، وقد يكون بسبب الاستعجال لأمر طارئ.
ثم إن هذا الإكسال، أيا ما كان سببه، إذا حدث مرة لرجل، فلا يعني ذلك أن يحدث له في كل مرة. فكيف إذا كان في مثل حال النبي صلى الله عليه وسلم، وتمام فحولته؛ فإنه إذا عرض عارض أوجب هذا الإكسال، لم يلزم أن يتكرر هذا العارض مرات، ولا أن تكون هذه حالة كثيرة في شأن الرجل، فضلا عن أن تكون ملازمة له. وهذا ظاهر، إن شاء الله.
الخلاصة:
لا تعارض بين الخبرين، بحمد الله تعالى، ومن زعم وجود تعارض بينهما، فسبب ذلك هو سوء فهمه لحديث الاكسال، حيث تحكّم بتعسف في معنى الاكسال، حيث تصور أنه لا يمنع الرجل عن الانزال في الجماع إلا الضعف والوهن، وهذا التحكّم باطل لغة وواقعا، بل الرجل قد يمتنع عن الانزال عن قصد وعمد، لسبب يدعوه لذلك كعدم الرغبة في الانجاب، أو بأن يستعجله أمر يعيقه عن الاستمرار في الجماع، ونحو هذا.
وسوء الفهم من أكثر الأمور التي تخيّل للناس وجود التعارض بين النصوص.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى:
" لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة. فإذا وقع التعارض فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتا، فالثقة يغلط؛ أو يكون أحد الحديثين ناسخا للآخر إذا كان مما يقبل النسخ، أو يكون التعارض في فهم السامع، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم؛ فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخا للآخر، فهذا لا يوجد أصلا، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق. والآفة من التقصير في معرفة المنقول والتمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القصور في فهم مراده صلى الله عليه وسلم وحمل كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معا. ومن هاهنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع. وبالله التوفيق " انتهى من "زاد المعاد" (4 / 213).
والله أعلم.
ينظر للجواب رقم 340937
الخلاصة
الاحالات