0 / 0
2,03214/01/2024

الأب مسجون والأعمام والأخوال يمتنعون عن النفقة على أولاده!

السؤال: 490194

إذا كان الأب مسجونا، والأم مطلقة، والأقارب من الأب والأم أحياء، وأولاد المسجون تحت سن 18 سنة، وهم يعيشون عند أمهم، والأم هي التي تصرف عليهم من مالها الخاص، وعندما تطلب مالا لأولادها من لأهل طليقها، لا أحد يعطيها شيئا، فاضطرت أن تأخذ عن طريق القانون، وللأسف المبلغ التي تأخذه من المحكمة مبلغ قليل جدا، فما حكم الجد والعم والعمات والخال والخالات على تقصيرهم من ناحية النفقة على أولاد أخيهم؟ كما إنهم لا يتواصلون معنا حتى في الأعياد، فما حكم ذلك؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

إننا نأسف كثيرا لما آل إليه أمر كثير من الأسر من التفكك وعدم التكافل والتقصير في صلة الرحم الواجبة.

ثانيا :

إذا كان الأب مسجونا وليس له مال ينفق منه على أولاده ، فالواجب على الأقارب من جهة الأب والأم: أن يتحملوا مسئوليتهم تجاه هؤلاء الأولاد، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من النفقة، وصلة الرحم.

ولا تجب النفقة على الأقارب إلا إذا كان المنفق غنيا، فمن كان فقيرا من هؤلاء، أو كان دخله يكفيه بلا زيادة : لم يجب عليه أن ينفق على أحد من أقاربه، وذلك لعدم استطاعته، وينتقل الوجوب إلى من بعده من الأقارب.

قال ابن قدامة رحمه الله :

” وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ …

الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ لِمَنْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، إمَّا مِنْ مَالِهِ، وَإِمَّا مِنْ كَسْبِهِ.

فَأَمَّا مَنْ لَا يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا، فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَضَلَ ، فَعَلَى عِيَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ ، فَعَلَى قَرَابَتِهِ…” انتهى من “المغني” (11/375).

والواجب الأكبر يكون على الأقارب من جهة الأب (الذكور) منهم، لأنهم هم العصبة، وأولهم الجد، ثم من بعده الأعمام، ثم أبناؤهم.

قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” (5/483) في بيان وجوب النفقة على الأقارب :

“رَوَى أبو داود فِي ” سُنَنِهِ ” عَنْ كليب بن منفعة عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ( مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ ) .

وَفِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ؛ أَدْنَاكَ ) .

وَهَذَا كُلُّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء: 36] [النِّسَاءِ: 36] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [الإسراء: 26] [الْإِسْرَاءِ: 26] ؛ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ حَقَّ ذِي الْقُرْبَى يَلِي حَقَّ الْوَالِدَيْنِ ، كَمَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سَوَاءً بِسَوَاءِ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ لِذِي الْقُرْبَى حَقًّا عَلَى قَرَابَتِهِ ، وَأَمَرَ بإيتائِه إِيَّاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقَّ النَّفَقَةِ ، فَلَا نَدْرِي أَيَّ حَقٍّ هُوَ؟

وَأَمَرَ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى ذِي الْقُرْبَى؛ وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِسَاءَةِ أَنْ يَرَاهُ يَمُوتُ جُوعًا وَعُرْيًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى سَدِّ خُلَّتِهِ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَلَا يُطْعِمُهُ لُقْمَةً وَلَا يَسْتُرُ لَهُ عَوْرَةً ؛ إِلَّا بِأَنْ يُقْرِضَهُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ…..

وَبِمِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ حَكَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عمر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – حَبَسَ عَصَبَةَ صَبِيٍّ عَلَى أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ، الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: جَاءَ وَلِيُّ يَتِيمٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا أَقْضِي عَشِيرَتَهُ ، لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ، وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.

فعَنِ الحسن عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إِذَا كَانَ أُمٌّ وَعَمٌّ فَعَلَى الْأُمِّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا، وَعَلَى الْعَمِّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لعمر وزيد مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ”.

ثم ذكر مذاهب العلماء في هذا ، وقال عن مذهب إبي حنيفة رحمه الله :

“إنه يُوجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ أحمد وَنُصُوصُهُ ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُوصَلَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قول عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وزَيْدِ بْنِ ثَابِت رضي الله عنهما ولَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وقد تقدمت أدلة ذلك” انتهى باختصار .

فإن كان كل هؤلاء فقراء انتقل الواجب إلى الأقارب من جهة الأم وهم الأخوال .

وذهب بعض العلماء إلى أن النفقة توزع على من تلزمه النفقة، على حسب غناهم، وهو قول جيد متَّجه.

جاء في ” الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ” (2 / 69): “إذا كان الولد متعددا، ووجب عليه نفقة أبويه ، أو أحدهما : فإنها توزع على الأولاد حسب اليسار ، على أرجح الأقوال” انتهى.

فإذا كان لهؤلاء الأولاد أعمام ، وأحدهم أكثر مالا ، فيجب عليه من النفقة أكثر مما يجب على سائر الأعمام … وهكذا .

وإذا وزعت النفقة على العصبة من جهة الأب ، وشاركهم في ذلك ذوو الأرحام من جهة الأب والأم؛ كان ما يتحمله كل فرد شيئا يسيرا لا يعجز عنه، وبهذا تحصل المصلحة المرجوة، والتكافل بين أفراد العائلة، وصلة الرحم الواجبة.

وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (444224).

نسأل الله تعالى أن يصلح شأن المسلمين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android