الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
نفقة الرجل على زوجته واجبة، وقد قام والدكم بالنفقة حين كان مستطيعا لعشرين عاماً كما بينتم في سؤالكم.
ووالدك بحكم الشرع لازال يعتبر منفقاً على والدتكم، لأن النفقة عليها ليس لها علاقة من أين أتى بالمال الذي ينفق به عليها.
والأمر الآخر: أن نفقة الأولاد على أمهم تعتبر نفقة من الأب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنتَ ومالك لأبيك) أحمد (6902)، وصححه الألباني في "الإرواء" (1625).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنَّ أولادكم من كسبكم) الترمذي (1358) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يلزم الوالد النفقة على زوجته، إذا كان أولادها لا يقومون بها، أما إذا كان أولادها يكفونها المؤونة، وقد أنفقوا عليها: كَفَوا؛ لأن أولاده له، حقه عليهم كبير، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت ومالك لأبيك (فإذا كفوه مؤونة أمهم، وأنفقوا عليها؛ كفى والحمد لله.
أما إذا لم يكفوه، وهي تطلب النفقة: مخيرة، إن شاءت صبرت، وإن شاءت قالت: طلقني، تطلب الطلاق إن لم تصبر، وإلا صبرت، وإن أنفق عليها أولاده كفوه المؤونة، والحمد لله، ولا حرج عليه…، وإذا قام أولاده بالنفقة فلا حق لها؛ لأن نفقة أولاده كنفقته، إذا أنفقوا عليها بما يكفيها الحمد لله، أما إذا ما أنفقوا عليها، ولا أنفق هو؛ فلها طلب الطلاق". موقع الشيخ.
وعليه؛ فما دمت تنفق أنت وأخوك، وتكفي أمك المؤنة، فلا حق لها في نفقة بعد ذلك على أبيك، وله حقها عليها كاملا.
فإن تبين هذا فإن امتناع أمكم عن والدكم بحجة عدم النفقة تصرف غير جائز ، وهي بذلك ناشز وآثمة.
وعليها أن تتقي الله، فإن ذلك من الذنوب العظيمة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح ) رواه البخاري (3065).
وفي الحديث الآخر: (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها) رواه مسلم (1436).
ثانيا:
من خلال سؤالك يظهر أن أباك لم يقصر في حق أمك ولا في حقكم حين كان قادراً، فلما ألمت به الظروف تنكرت أمك لكل معروف، وهذا من كفران العشير الذي توعد النبي صلى الله عليه وسلم من تفعله بالنار، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "(أُرِيت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن ، قيل : أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط) رواه البخاري (29).
قال ابن بطال رحمه الله:" "العشير، هو الزوج، وقد أمر الله رسوله بشكر النعم، وجاء في الحديث: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) ، وشكر نعمة الزوج هو من باب شكر نعمة الله، لأن كل نعمة فضل بها العشير أهله، فهي من نعمة الله أجراها على يديه" "انتهى من "شرح صحيح البخاري لابن بطال" (1/89).
"وَمعنى الحَدِيث : أنهن يجحدن الْإِحْسَان…، فيستدل على ذمّ من يجْحَد إِحْسَان ذِي إِحْسَان، وَقَالَ الْكرْمَانِي : أَي تجحدن نعْمَة الزَّوْج وتستقلين مَا كَانَ مِنْهُ ، ويستدل من التوعيد بالنَّار على كفرانه وَكَثْرَة اللَّعْن على أنهما من الْكَبَائِر" انظر: شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره" (ص289).
لذا من المهم أن تناصحوا أمكم بخصوص هذا الأمر، وأن إحسانها إلى زوجها من أسباب رضى الله عن المرأة، ومن أسباب سعادتها في الدنيا والآخرة.
والله أعلم