0 / 0
6,43111/05/2023

إذا امتنع من النفقة على أولاده فهل تجوز مقاضاته؟

السؤال: 423668

والدي شخص ظالم، وقاطع للرحم، وآكل لحقوقنا، وحقوق الناس، يمتنع عن الإنفاق علينا في المأكل والمشرب والملبس، وحتى السكن ينازعنا عليه، ويحاول طردنا منه، ويمتنع عن تزويجي.
فهل يجوز لي رفع دعوى قضائية عليه للمطالبة بحقي في النفقة، وحقي في الزواج؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

يلزم الأب الموسر النفقة على أولاده إذا كانوا فقراء، ويأثم بترك ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) رواه أحمد (6495) وأبو داود (1692) من حديث عبد الله ابن عمرو، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ.

رواه النسائي في “الكبرى” (9129)، وابن حبان في “صحيحه” (4492)، وصححه الألباني في “الصحيحة” (1636).

قال ابن قدامة رحمه الله: “ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم …

وأما الإجماع، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال: واجبة في مال الولد. وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم” انتهى من “المغني” (8/211).

وتلزم الأب النفقة حتى بعد البلوغ، وقدرة الابن على الكسب؛ ما دام الابن لم يعمل، ولم يُحَصِّلْ مالا ينفقه على نفسه. وهذا مذهب الحنابلة.

قال في “الإنصاف” (9/ 289): “شمل قوله : (وأولاده وإن سفلوا): الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء؛ إذا كانوا فقراء وهو صحيح. وهو من مفردات المذهب” انتهى.

وقال أبو حنيفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ؛ فإذا بلغ صحيحا انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج، ونحوه قال مالك، إلا أنه قال: ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج. وينظر: “المغني” (9/ 258).

قال الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله: “تجب نفقة البنت الفقيرة على أبيها مهما بلغت، حتى تتزوج، وعندئذ تصبح نفقتها على الزوج، فإذا طلقت عادت نفقتها على الأب، ولا يجوز للأب أن يجبرها على الاكتساب. فإن اكتسبت من مهنة شريفة لا تعرضها للفتنة كخياطة وتعليم وتطبيب، سقطت نفقتها عن الأب، إلا إذا كان كسبها لا يكفيها، فعلى الأب إكمال النفقة التي تحتاجها” انتهى من “الفقه الإسلامي وأدلته” (10/ 7414).

ويدخل في النفقة الواجبة تزويج الابن أو الابنة غير القادرين على الزواج.

قال ابن قدامة رحمه الله: ” قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه، إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي ” انتهى من “المغني” (8/ 172).

ثانيا:

إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده، جاز الأخذ من ماله بغير علمه، بالمعروف، فإن لم يمكن ذلك جازت مقاضاته.

قال في زاد المستقنع: ” وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ، إِلاَّ بِنَفَقَتِهِ الوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لَهُ مُطَالبَتَهُ بِهَا، وَحَبْسَهُ عَلَيْهَا”.

وقال في “كشاف القناع” (4/ 320): ” (وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا) بأجرة (ما انتفع به من ماله)؛ لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه، فقال: أنت ومالك لأبيك، ولأن المال أحد نوعي الحقوق، فلم يملك مطالبة أبيه به، كحقوق الأبدان.

(ولا) للابن (أن يحيل عليه) أي: الأب (بدينه)؛ لأنه لا يملك طلبه به، فلا يملك الحوالة عليه.

(ولا) مطالبة للولد على والده (بغير ذلك) من سائر الحقوق، لما تقدم (إلا بنفقته)، أي: الولد (الواجبة) على الأب، لفقر الابن وعجزه عن التكسب؛ فله الطلب بها (زاد في الوجيز: وحبسه عليها)، لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

(وله) أي: الولد (مطالبته) أي: الأب (بعين مال له) أي: الولد (في يده) أي: الأب” انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” قوله: إلا بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها وحبسه عليها، أي إذا امتنع الأب من النفقة الواجبة عليه، فللابن أن يطالبه بها؛ لأنها ضرورة لحفظ حياة الابن، ولأن سببها معلوم ظاهر، بخلاف الدَّين، ولأن وجوب النفقة ثابت بأصل الشرع، فهو كالزكاة، يجبر الإنسان على بذلها لمستحقها.

فإذا جاء الابن الفقير، وهو عاجز عن التكسب، وليس عنده مال، وقال لأبيه: أنفق عليَّ، فقال: لا أنفق، فله أن يطالب أباه بالنفقة، وإذا امتنع فللحاكم أن يحكم بحبسه حتى يسلم النفقة.

وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب؛ لِمَ لمْ ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة، فله ذلك، وله حبسه عليها” انتهى من “الشرح الممتع” (11/ 100).

ثالثا:

إذا رفض الأب تزويج ابنته من كفؤ رضيت به، كان عاضلا، وانتقلت الولاية لمن بعده من العصبة، فإن أبوا جميعا، فلها رفع أمرها للقاضي ليزوجها.

وينظر: جواب السؤال رقم: (171588).

وإن كان المقصود أن الأب يمتنع من تجهيزها، فقد تقدم أن التزويج يدخل في النفقة الواجبة، وأنه تجوز مقاضاة الأب لأجلها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android