ما صحة الرواية التالية: “في ليله زواج النبي من السيدة صفية، وكانت قد أسلمت حديثاً، وقف سيدنا أبو أيوب الانصاري حارساً على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كإجراء احترازي، ومن دون طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أو علمه، وخوفاً عليه من الغدر والخيانه، شعر رسول الله بشيء مريب، فخرج يتفقده، فإذا بأبي أيوب يحمل سلاحه، ويقف خارجاً، فيقول له عليه الصلاة والسلام: ( ما الذي تفعله يا أبا ايوب؟) فيقول : يا رسول الله لقد قُتِلَ والدها في الحرب، وأخاف أن تغدر بكَ، فوقفت حارساً أحرسك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حَرَسَكَ الله يا أبا أيوب حيّاً وميتاً)؟
هل تصح قصة حراسة أبي أيوب للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرسه؟
السؤال: 419449
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الخبر رواه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/126)، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ” لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بِصَفِيَّةَ بَاتَ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ كَبَّرَ وَمَعَ أَبِي أَيُّوبَ السَّيْفُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ جَارِيَةً حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ وَكُنْتَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا؛ فَلَمْ آمَنُهَا عَلَيْكَ!! فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ لَهُ خَيْرًا”.
لكن في إسناده الواقدي محمد بن عمر، وإن كان من أهل السير والتاريخ إلا أنه ليس بحجة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” جمع فأوعى وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم…
وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات، والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج…
لا عبرة بتوثيق من وثقه إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله ” انتهى من “سير اعلام النبلاء” (9/ 454-469).
ولهذا علّق الذهبي في “السير” (2/408)، على هذا الخبر بقوله:
” غَرِيْبٌ جِدّاً “.
لكن الواقدي لم ينفرد به، بل تابعه عليه كثير بن زيد، وهو ممن يُحسّن حديثه.
رواه الحاكم في “المستدرك” (4/ 28-29)، قال: أخبرنا عبد الله بن إسحاق الخراساني العدل، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أنبأنا خالد الحذاء، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: ” لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بَاتَ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ وَمَعَ أَبِي أَيُّوبَ السَّيْفُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَانَتْ جَارِيَةً حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَكُنْتَ قَتَلْت أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا، فَلَمْ آمَنْهَا عَلَيْكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا”.
قال الحاكم: ” هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه “، ووافقه الذهبي.
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
” ولَهُ شُوَيْهِدٌ مِنْ حَدِيْثِ: عِيْسَى بنِ المُخْتَارِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ … ، فَذَكَرَ قَرِيْباً مِنْهُ.
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ، بِنَحْوِهِ.
وَابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، نَحْوَهُ ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (2/408).
فأما خبر ابن عباس، فرواه ابن سعد في “الطبقات” (2/116)، قال:
أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَخْرُجَ مِنْ خَيْبَرَ قَالَ الْقَوْمُ: الْآنَ نَعْلَمُ، أَسُرِّيَّةٌ صَفِيَّةُ أَمِ امْرَأَةٌ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ سَيَحْجِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ سُرِّيَّةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَ بِسِتْرٍ فَسُتِرَ دُونَهَا فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْكَبَ أَدْنَى فَخِذَهُ مِنْهَا لِتَرْكَبَ عَلَيْهَا فَأَبَتْ، وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ حَمْلَهَا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ نَزَلَ فَدَخَلَ الْفُسْطَاطَ وَدَخَلَتْ مَعَهُ، وَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ فَبَاتَ عِنْدَ الْفُسْطَاطِ مَعَهُ السَّيْفُ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى الْفُسْطَاطِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم سَمِعَ الْحَرَكَةَ فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) فَقَالَ: أَنَا أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: (مَا شَأْنُكَ؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَقَدْ صَنَعَتَ بِزَوْجِهَا مَا صَنَعَتَ، فَلَمْ آمَنْهَا؛ قُلْتُ: إِنْ تَحَرَّكَتْ، كُنْتُ قَرِيبًا مِنْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: (رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا أَيُّوبَ، مَرَّتَيْنِ).
وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مع صدقه وعلمه إلا أنه وصف بسوء الحفظ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، صدوق إمام سيء الحفظ وقد وثق، قال شعبة: ما رأيت أسوأ من حفظه. وقال القطان: سيء الحفظ جدا. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: رديء الحفظ كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة ” انتهى من “المغني” (2/603).
وأما حديث مقسم عن جابر. فرواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (16 / 45 – 46)، قال:
أخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي، أخبرنا أحمد بن أبي عثمان وأحمد بن محمد بن إبراهيم ح، وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، أخبرنا أبو طاهر، قالا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن عبد الله الصرصري أخبرنا أبو عبد الله المحاملي إملاء، أخبرنا عبد الله بن شبيب، حدثني أبو بكر بن أبي شيبة، حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، حدثني عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن مقسم أبي القاسم، عن جابر: ( … وبات أبو أيوب ليلة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور حول خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم … ).
وهذا إسناد ضعيف جدا.
ففيه عمر بن أبي بكر المؤملي الموصلي.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
” عمر بن أبي بكر العدوي الموصلي قاضى الاردن روى عن ابن أبي الزناد روى عنه: عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة، والزبير بن بكار. سمعت أبي يقول: ذلك عمر بن أبي بكر الموصلي: ذاهب الحديث متروك الحديث ” انتهى من “الجرح والتعديل” (6 / 100).
وفيه عبد الله بن شبيب، وهو متروك الحديث أيضا.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” عبد الله بن شبيب بن خالد أبو سعيد الربعي المكي… قال ابن عدي: حدث بمناكير…
وقال أبو أحمد محمد بن إسحاق: ذاهب الحديث.
وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ويسرقها؛ لا يجوز الاحتجاج به ” انتهى من “الضعفاء والمتروكين” (2 / 126 – 127).
وأما خبر عروة فرواه البيهقي في “دلائل النبوة” (4 / 231 – 233)، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
( … وَقَدْ بَاتَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةَ دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا قَرِيبًا مِنْ قُبَّتِهِ، آخِذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكْرَةً: كَبَّرَ أَبُو أَيُّوبَ حِينَ أَبْصَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ!! فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ قَالَ: لَمْ أَرْقُدْ لَيْلَتِي هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ذَكَرْتُ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا وَعَامَّةَ عَشِيرَتِهَا؛ فَخِفْتُ لَعَمْرُو اللهِ أَنْ تَغْتَالَكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا … ).
وهو سند ضعيف لأنه مرسل، وفيه عبد الله بن لهيعة، وقد ضعّف لسوء حفظه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” عبد الله بن لهيعة أبو عبد الرحمن الحضرمي الفقيه قاضي مصر عن عطاء والأعرج وابن أبي مليكة وعمرو بن شعي ضعِّف. وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من كان مثل بن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وإتقانه وضبطه؟ قلت: العمل على تضعيف حديثه ” انتهى من “الكاشف” (1 / 590).
وقُبل حديثه إذا روى عنه رواة معيّنون كالعبادلة الأربعة، وليس منهم والد أبي علاثة، وهو عمرو بن خالد الحراني.
فالخلاصة: أن الخبر برواية الحاكم مقبول، خاصة في أبواب السيرة، ويتقوى بهذه الشواهد ما عدا رواية مقسم عن جابر لشدة ضعفها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب