السؤال:
أنا مقبلة على العمل في رياض الأطفال كحكواتية؛ أي إنني أمثل للأطفال مسرحيات قيمة، وفيها عبرة، بواسطة دمى، ومنها ما هو على شكل ذوات الأرواح، فما حكم ذلك بالتفصيل؟
وما حكم تفخيم صوتي لصوت فخم لكي يتناسب مع شخصية الأب أو الفلاح أو الحمار؟ أي إنني أضع يدي بفمها وأحركها كأنها هي من تتكلم؟ وما حكم تقليد صوت الحيوانات أثناء المسرحية؟
حكم عمل مسرح الدمى للأطفال وتقليد المرأة صوت الرجل وصوت الحيوانات
السؤال: 406114
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الجواب:
الحمد لله
أولا:
لا حرج في صناعة الدمى التي على صور ذوات الأرواح إذا كان ذلك للأطفال، فهذا مستثنى من تحريم تصوير ورسم ذوات الأرواح.
والأصل في ذلك: ما روى أبو داود (4932) عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ أو خيبر، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت رِيحٌ، فَكَشَفَت نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَن بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ، لُعَب. فَقَالَ: (مَا هَذا يَا عَائِشَةُ؟) قَالَت: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَه جَنَاحَانِ مِن رِقَاعٍ. فَقَال: (مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسطَهن؟) قَالت: فَرَسٌ. قَالَ: (وَمَا هَذا الذي عَليه؟) قَالَت: جَنَاحَانِ. قَالَ: (فَرَسٌ لَه جَناحانِ؟!) قَالَت: أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟! قَالَت: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه" وصححه العراقي في " تخريج الإحياء " (2/ 344) والألباني في "صحيح أبو داود".
وروى البخاري (6130)، ومسلم (2440) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي".
ولمسلم: "كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِهِ، وَهُنَّ اللُّعَبُ".
قال القاضي عياض رحمه الله: "وقولها: " كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه جواز اللعب بهن، وتخصيصهم من الصور المنهى عنها؛ لهذا الحديث، ولما في ذلك من تدريب النساء في صغرهن على النظر لأنفسهن وبيوتهن، وأبنائهن. وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن، ولم يغيروا أسواقها. وروى عن مالك كراهة شرائها، وهذا عندي محمول على كراهة الاكتساب بها للبائع، وتنزيه أُولي المروءات عن تولى ذلك من بيع وشراء، لا كراهة اللعب بهن، وعلى الجواز بلعب الجواري بهن: جمهور العلماء، وذهبت فرقة إلى أنه منسوخ بالنهى عن الصور" انتهى من "إكمال المعلم" (7/447).
وقالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله: " استُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب، من أجلِ لَعِبِ البناتِ بهن، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور، وبه جزمَ عياضٌ، ونقله عن الجمهورِ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ بيوتهِن وأولادهن" انتهى من "فتح الباري" (10/527).
ثانيا:
لا يجوز للمرأة محاكاة صوت الرجل وطريقة كلامه؛ لما فيه من التشبه بالرجال وهو محرم؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" رواه البخاري (5435).
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن "اقتراف الكبائر" (1/256): " الكبيرة السابعة بعد المائة تشبه الرجال بالنساء فيما يختصصن به عرفا غالبا، من لباس أو كلام أو حركة أو نحوها، وعكسه" انتهى.
وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "الفتح" (10/332): "قوله: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين) قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس.
قلت: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد؛ فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار.
وأما ذم التشبه بالكلام والمشي؛ فمختص بمن تعمد ذلك. وأما من كان ذلك من أصل خلقته، فإنما يؤمر بتكلف تركه، والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى، دخله الذم ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ (المتشبهين) " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء، كيف يكون ذلك التشبه؟ وهل هذا اللعن هو الطرد من رحمة الله، وإن كانت المرأة تصلي وتقوم بالأعمال الخيرة؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب: هذا من باب الوعيد، اللعن من باب الوعيد والتحذير، وقد يسلم الرجل من العقوبة بأعمالٍ صالحة أو بتوبةٍ صادقة، وهكذا المرأة قد تسلم من العقوبة بتوبةٍ صادقة أو أعمالٍ صالحة، لكن المقصود من اللعن التحذير، فلا يجوز للرجل أن يتشبه بالكفار ولا بالنساء، والمرأة كذلك، ليس لها التشبه بالرجال ولا بالكفار، لا في الزي ولا في الكلام، ولا في المشي، كله، ليس له أن يتشبه بالمرأة، في زيه وفي كلماته وفي مشيه ولا بالكفرة، وهي كذلك ليس لها أن تتشبه بالرجل، في زيه من اللباس ولا في زيه من المشي ولا في زيه من الكلام؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لعن من تشبه من النساء بالرجال ولعن المشتبه من الرجال بالنساء.
وهكذا قال: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) . وقال: (قصوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ، خالفوا المشركين) . وقال: (جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس)" انتهى من فتاوى نور على الدرب:
https://binbaz.org.sa/fatwas/28759/%D 9%83%D 9%8 A%D 9%81 – %D 9%8 A%D 9%83%D 9%88%D 9%86 – %D 8%AA%D 8%B 4%D 8%A 8%D 9%87 – %D 8%A 7%D 9%84%D 8%B 1%D 8%AC%D 8%A 7%D 9%84 – %D 8%A 8%D 8%A 7%D 9%84%D 9%86%D 8%B 3%D 8%A 7%D 8%A 1 – %D 9%88%D 8%A 7%D 9%84%D 8%B 9%D 9%83%D 8%B 3
ثالثا:
التشبه بالحيوانات مذموم، سواء كان التشبه بها في الأصوات أو غيرها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التشبه بالحيوان لم يأتِ في الكتاب والسنة إلا في مقام الذم قال الله تبارك وتعالى: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شئنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ)، وقال الله تبارك وتعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، وقال : (ليس لنا مثل السوء)، وقال صلى الله عليه وسلم : (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر : "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (32/256-260) ففيه فتوى مفصلة في المنع من التشبه بالبهائم ومحاكاتها في حركاتها أو أصواتها .
وسئل الشيخ الدكتور أحمد بن محمد الخضيري، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية حفظه الله ما نصه : نحن مجموعة نعمل في مجال المسرح للأطفال، ونقدم برنامجاً هادفاً، يحضر لدينا في المنتزه أو موقع لمسرح الأطفال مع ذويهم الأب والأم، ونعمل على فصل الرجال عن النساء وتقديم الأطفال في الكراسي الأمامية، ويلبس بعض الشباب ملابس تنكرية (دمى) على شكل ثعلب أو دب أو خيارة أو برتقالة- .
والسؤال: هل التمثيل ولبس مثل هذه الملابس جائز؟
فأجاب : إذا كان ما تقومون به في المسرح برنامجاً هادفاً يستفيد منه الأطفال ، وليس في هذا المكان اختلاط بين الرجال والنساء ، فليس في هذا العمل بأس.
غير أن التشبه بالحيوانات لا ينبغي أن يقع من المسلم، لما فيه من إهانة للنفس التي كرمها الله تعالى بالعقل ، ومحاكاة البهائم والحيوانات لم ترد في القرآن والسنة إلا في مقام الذم ، وإذا كانت دمى هذه الحيوانات مجسمة فإنها لا تجوز ؛ لأنها تدخل في التصوير الذي جاءت النصوص بتحريمه ، وأما دمى الجمادات فلا بأس بلبسها واستخدامها " انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
وليس للكبير لبس ما عليه صورة حيوان، أو لبس ما صنع على هيئة الحيوان.
قال في "مطالب أولي النهى" (1/353) : " ( وحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان )، لحديث أبي طلحة قال : سمعت رسول الله , صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب ) متفق عليه .
( وتعليقه ) أي : ما فيه صورة . ( وستر جدرٍ به ) لما تقدم .
( وتصويره , ولو بستر , وسقف وحائط ) على الصحيح من المذهب , ( وهو ) – أي : تصوير ذي الروح – ( كبيرة ) لقوله صلى الله عليه وسلم : { إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة , ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم } " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟
فأجاب بقوله : لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان ، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة أو شماغا أو ما أشبه ذلك، وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة )" انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/274).
والله أعلم.
التصوير
الأخلاق المذمومة
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب