0 / 0
20,86224/05/2022

لا ينسب لساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان

السؤال: 332137

وردتني مسألة مهمة هي : هل إقرار الشيخ وسكوته عن الإنكار لكلامي يقوم مقام إعطاء الجواب، لأني كنت بعض الأوقات لما أراه يسكت أظن أن هذا الشيء لا بأس فيه، لكن تذكرت أن السكوت ربما لعدم علمه، فما رأيكم، أو يرجع في ذلك للظن الغالب والقرينة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

سكوت الشيخ على كلامك لا يعتبر إقرارا له؛ فربما سكت لعدم العلم، أو ليتأنى في الجواب، أو لكراهة المسألة، أو لغير ذلك، وقد قال الشافعي رحمه الله: “لا ينسب لساكت قول”.

قال الزركشي، رحمه الله:

” ومعناه لا ينسب إلى ساكت تعيين قول؛ لأن السكوت يحتمل التصويب، أو لتسويغ الاجتهاد أو الشك، فلا ينسب إليه تعيين، وإلا فهو قائل بأحد هذه الجهات قطعا” انتهى، من “البحر المحيط” (6/457).

وقال الفخر الرازي، رحمه الله: “السكوت يحتمل وجوها أخر سوى الرضى، وهي ثمانية:

أحدها: أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول، وقد تظهر عليه قرائن السخط.

وثانيها: ربما رآه قولا سائغا أدى اجتهاده إليه، وإن لم يكن موافقا عليه.

وثالثها: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب، فلا يرى الإنكار فرضا أصلا.

ورابعها: ربما أراد الإنكار، ولكنه ينتهز فرصة التمكن منه، ولا يرى المبادرة إليه مصلحة.

وخامسها: أنه لو أنكر لم يُلتفت إليه، ولحقه بسبب ذلك ذل، كما قال ابن عباس في سكوته عن العول: هِبْتُه؛ وكان والله مهيبا.

وسادسها: ربما كان في مُهلة النظر.

وسابعها: ربما سكت لظنه أن غيره يقوم مقامه في ذلك الإنكار، وإن كان قد غلط فيه.

وثامنها: ربما رأى ذلك الخطأ من الصغائر فلم ينكره.

وإذا احتمل السكوت هذه الجهات، كما احتمل الرضى؛ علمنا أنه لا يدل على الرضا، لا قطعا ولا ظاهرا . وهذا معنى قول الشافعي رحمه الله : لا ينسب الى ساكت قول” انتهى، من “المحصول” (4/254-156).

ثانيا:

هذا التقرير: أن الساكت لا ينسب إليه قول، إنما هو باعتبار الأصل، وحيث لم يدل الدليل على مراده بسكوته، فإذا دل الدليل على مراده بذلك السكوت، عمل بالدليل الدال عليه.

قال الزركشي، رحمه الله:

” ثم هذا باعتبار الأصل، أعني أن لا ينسب إلى ساكت قول؛ إلا بدليل على أن سكوته كالقول أو حقيقة؛ لأن السكوت عدم محض، والأحكام لا تستفاد من العدم. ولهذا لو أتلف إنسان مال غيره وهو ساكت، يضمن المتلف.

أما إذا قام الدليل على نسبة القول إلى الساكت: عمل به، لقوله – صلى الله عليه وسلم – في البكر: إذنها صماتها .

وقولنا: إن إقرار النبي – صلى الله عليه وسلم – على قول أو فعل مع علمه به وقدرته على إنكاره حجة ” انتهى من “البحر المحيط” (6/457).

وعلى ذلك؛ فإذا كان في الكلام أمر يستدعي البيان، فإن السكوت هنا من العالم إقرار؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

ولهذا عبر بعضهم عن هذه القاعدة بقوله: “لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان”.

قال الدكتور محمد مصطفى الزحيلي في “القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة” (1/ 162):

“السكوت في معرض الحاجة بيان: إن السكوت من القادر على التكلم في معرض الحاجة إلى الكلام: كلام وبيان، بشرط أن يكون هناك دلالة عرفية من حال المتكلم، أو يكون هناك ضرورة لدفع الغرر والضرر، يعني أن السكوت فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان، وهذا القسم الثاني يعتبر بمثابة قيد واستثناء للقسم الأول.

تطبيقات القسم الثاني:

وهي نوعان:

أ – يتفرع على دلالة الحال مسائل:

1 – لو سكتت الفتاة البكر عند استئذان وليها بالتزويج، أو زوجها الولي دون استئذانها، ثم بلغها العقد، فسكتت، اعتبر سكوتها إذناً وإجازة لدلالة الحال، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الفتاة البكر البالغة إذا استاذنها وليها في عقد نكاحها: “إذنها صماتها”. أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن.

لأن حالتها -وهي استحياؤها من إظهار الرغبة في الرجال، لا من إظهار عدمها- تدل على أن سكوتها مع إمكان تصريحها بالرد والحياءُ يمنعها، بيان وإفصاح، ففي الأولى: يكون العقد لازماً، وفي الثانية: ينبرم ويلزم بعد وجوده موقوفاً…

3 – إن سكوت المالك عند قبض الموهوب له، والمتصدَّق عليه، والمرتهن، والمشتري قبل نقد الثمن، إذن؛ لأن حالته من إقدامه على العقد الموضوع لإفادته حكمه، ثم سكوته عند القبض، مع قدرته على النهي، تدل كصريح القول، على الإذن” انتهى.

واعلم أنه يفرق في مسألة السكوت بين سكوت الشارع، ومن لا يُقِر على الخطأ، وبين سكوت غيره.

قال الزركشي رحمه الله في “المنثور في القواعد” (2/ 205-208):

” السكوت ضربان:

” الأول ” أن يكون بمجرده ينزّل منزلة التصريح بالنطق في حق من تجب له العصمة.

ولهذا كان تقريره – صلى الله عليه وسلم – من شرعه، وكان الإجماع السكوتي حجة عند كثيرين، لأنه نازل منزلة النص، فإن الإجماع مشهود له بالعصمة…

والثاني: غير المعصوم، فالأصل أن لا ينزل منزلة نطقه، لا سيما إذا كان السكوت محرما.

ولهذا قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: “لا ينسب إلى ساكت قول” .

نعم، إذا قام دليل على الاكتفاء به، كسكوت البكر عند الاستئذان في التزويج، ولهذا اكتفي به، وكذلك إذا قامت قرائن تدل على ” رضاه ” فينزل منزلة النطق…

إلى أن قال:

” ومنه: القراءة على الشيخ، وهو ساكت يسمع، تنزل منزلة نطقه. قال إمام الحرمين: يشترط أنه لو عرض من القارئ تصحيف وتحريف لرده الشيخ، فسكوته حينئذ بمنزلة قراءته قطعا.

وقال ابن دقيق العيد في شرح العنوان: إذا سكت الشيخ مقرا على ما قرئ عليه، فهل يجوز في مثل هذا أن يقال: أخبرنا؟ اختلفوا فيه، وقطع جماعة من أصحاب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – ” أنه لا يجوز، وهو اللائق بمذهبه، لتردد السكوت بين الإخبار وعدمه، وقد قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه -: “لا ينسب لساكت قول”. وهذا هو الصواب.

وقيل: يجوز اعتمادا على القرائن وظاهر الحال” انتهى.

والحاصل:

أن سكوت الشيخ لا يكون إقرارا، إلا إذا كان سكوتا في معرض يلزمه فيه البيان، فيكون سكوته إقرارا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android