عندما يؤذن أكثر من مؤذن في الوقت نفسه للأذان، هل نردد خلف الجميع أم خلف واحد فقط؟
إذا سمع أكثر من مؤذن، فهل يستحب الترديد خلف الجميع؟
السؤال: 279260
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الترديد خلف المؤذن سنة مؤكدة ، لورود الأمر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ) رواه مسلم (384).
والأمر الوارد فيه ليس أمرا للوجوب، بل هو للاستحباب.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"قوله: "يُسَنُّ لسامعه متابعتُه سِرًّا" ، صريحٌ بأنه لو ترك الإجابة عمداً فلا إثم عليه، وهذا هو الصَّحيح.
وقال بعض أهل الظَّاهر: إن المتابعة واجبة، وإنه يجب على من سمع المؤذِّن أن يقول مثلَ ما يقول ، واستدلُّوا بالأمر : (إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول) والأصل في الأمر الوجوب، ولكن الجمهور على خلاف ذلك .
واستدلَّ الجمهور بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سمع مؤذِّناً يؤذِّن فقال : "على الفِطرة" ولم يُنقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المُتابعة واجبة لفعلها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ولنُقِلَتْ إلينا" انتهى من "الشرح الممتع" (2/82).
وقال الشيخ الألباني، رحمه الله: " واعلم أن العلماء اختلفوا هنا في موضعين:
الأول: في حكم إجابة المؤذن:
فذهب قوم من السلف وغيرهم: إلى وجوب ذلك على السامع، عملا بظاهر الأمر الذي يقتضي الوجوب. وبه قال الحنفية، وأهل الظاهر، وابن رجب كما في (الفتح).
وخالفهم آخرون فقالوا: ذلك على الاستحباب، لا على الوجوب حكى ذلك كله الطحاوي في (شرح المعاني).
وفي (شرح مسلم): (الصحيح الذي عليه الجمهور؛ أنه مندوب). وبهذا قال الشافعية وبعض علمائنا الحنفية.
قال الحافظ: "واستُدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال: (على الفطرة)، فلما تشهد قال: (خرج من النار).
قال: فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن، علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب.
وتُعُقِّب: بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي، اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد. ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر.
ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر، لم يرد أن يكون نفسه في عموم من خوطب بذلك".
قلت: ولعل من حجة الجمهور: ما في (الموطأ): أن الصحابة كانوا إذا أخذ المؤذن بالأذان يوم الجمعة، أخذوا هم في الكلام؛ فإنه يبعد جدا أن تكون الإجابة واجبة، فينصرف الصحابة مع ذلك منها إلى الكلام. فراجع (الموطأ).
ومثله: ما رواه ابن سعد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال:
( رأيت عثمان بن عفان، والمؤذن يؤذن، وهو يتحدث إلى الناس، يسألهم، ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار ). وسنده صحيح على شرط الشيخين" انتهى، من "الثمر المستطاب" (1/180-181).
وقال، رحمه الله، أيضا: " قوله: " فعن ثعلبة بن أبي مالك قال: كانوا يتحدثون يوم الجمعة، وعمر جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن، قام عمر، فلم يتكلم أحد … رواه الشافعي في مسنده".
قلت: وهو في "الأم" (1/175): وحدثني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب قال: حدثني ثعلبة، به. وزاد في أوله:
" إن قعود الإمام يقطع السبحة، وإن كلامه يقطع الكلام".
وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/126)، ومن طريقه الشافعي عن ابن شهاب، به، نحوه؛ إلا أنه جعل الزيادة في آخره من كلام الزهري. وهو أصح؛ لأن مالكا أوثق من ابن أبي فديك، واسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك. وقال النووي في "المجموع" (4/220):
"وحديث ثعلبة صحيح، رواه الشافعي في "الأم" بإسنادين صحيحين".
كذا قال، وهو يعني طريق ابن أبي فديك ومالك عن ابن شهاب. وهذا اصطلاح خاص بالنووي، انتقده عليه العسقلاني وغيره، لما فيه من الإيهام لمن لا معرفة له: أن له طريقا أخرى عند الشافعي عن ثعلبة، وهو خلاف الواقع؛ فإنه عن ابن شهاب وحده.
نعم قد وجدت له متابعا قويا: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/124) من طريق يزيد بن عبد الله عن ثعلبة بن [أبي] مالك القرظي قال:
"أدركت عمر وعثمان، فكان الإمام إذا خرج يوم الجمعة تركنا الصلاة، فإذا تكلم تركنا الكلام".
وهذا إسناد صحيح ويزيد هذا هو ابن الهاد الليثي المدني.
فائدة: في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه.
وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا. والله أعلم" انتهى من "تمام المنة" (240).
ثانيا:
إذا كان يسمع مؤذنين فأكثر ، فهل من السنة أن يجيبهم جميعهم ؟ أم إن المشروع إجابة أحدهم فقط؟
قيل: يكتفى بأذان الأول .
وقيل: يجيب كل مؤذن يسمعه؛ إذا كان أذانه مشروعا.
قال الشيخ عليش رحمه الله في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/202): "وإذا أذن جماعة، واحدٌ عقب واحد؛ فاختار اللخمي: تكرير الحكاية. وقيل: يكفيه حكاية الأول" انتهى.
وقال المرداوي:
"ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: إجَابَةُ مُؤَذِّنٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ: حَيْثُ يُسْتَحَبُّ، يَعْنِي الْأَذَانَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَذَانُ مَشْرُوعًا" انتهى من "الإنصاف" (1/426).
وقال ابن تيمية:
"وَيُجِيبُ مُؤَذِّنًا ثَانِيًا، وَأَكْثَرَ، حَيْثُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ الْمُؤَذِّنَانِ يُؤَذِّنَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُؤَذِّنُونَ مَعَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مِثْلِ صَحْنِ الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ أَذَانُهُمْ مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، بَلْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/324) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"فيجيب الأول، ويجيب الثَّاني؛ لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول).
ثم هو ذِكْرٌ يُثاب الإنسان عليه" انتهى من "الشرح الممتع" (2/81).
وإذا تداخلت أصوات المؤذنين – كما يقع الآن – فإن استطاع أن يجيب الجميع: فذلك هو الأفضل، لما فيه من كثرة الذكر والثواب .
قال القليوبي الشافعي في "حاشيته على شرح المحلي" (1/149): "ويشمل ما ذكر ما لو تعدد المؤذنون، واختلطت أصواتهم ، فيجيب الكل ، وإذا ترتبوا فإجابة الأول أفضل" انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب