0 / 0
7,24322/01/2018

شبهات حول حجية السنة النبوية

السؤال: 266731

لدي إستفسار في نقطتين
أولا : هل هذا الحديث متواتر تواتر لفظي ؟ قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ) ؟ أو يوجد صيغة أخري له متواترة تواترا لفظيا؟ أو أي حديث يوضح بشكل مباشر حجية السنة النبوية يكون متواترا تواترا لفظيا ؟
ثانياً
هل كل ما هو في صحيح البخاري ومسلم صحيح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنا قرأت أن صحيح مسلم والبخاري الغير متواتر ظني الثبوت ، فكيف نأخذ ونعمل بشئ كجزء من الدين ونحن لسنا متأكدين تماماً بنسبته الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

حديث: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ) رواه الإمام مالك في “الموطأ” (3338) بلاغا بلا إسناد، وقد أسنده غيره.

ورغم أن ابن عبد البر، رحمه الله تعالى، يرى أنه مشهور تغني شهرته عن اسناده، حيث قال:

” وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم ، شهرة يكاد يُستغنى بها عن الإسناد، وروي في ذلك من أخبار الآحاد أحاديث من أحاديث أبي هريرة وعمرو بن عوف ” انتهى، من “التمهيد” (24 / 331).

إلا أن اسانيده لا تبلغ حد التواتر، فهو ليس من الأحاديث التي حكم عليها أهل العلم أنها بلغت حد التواتر.

وقد ورد الأمر بالاعتناء بالسنة متواترا؛ وهو قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) رواه الترمذي (2656) من حديث زَيْد بْن ثَابِتٍ، وقال: ” وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسٍ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ “.

فهذا الحديث قد ورد بأسانيد كثيرة ؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وهو حديث مشهور خرج في السنن أو بعضها من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر أبو القاسم بن مندة في تذكرته: رواه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أربعة وعشرون صحابيًا، ثم سرد أسماءهم، وقد تتبعت طرقه فوقع لي أكثرها وزيادة ستة، فأقتصر هنا على القوي منها … ” انتهى، من “موافقة الخبر الخبر” (1 / 363).

ولذا عدّه بعض أهل العلم متواترا؛ كالسيوطي رحمه الله تعالى في كتابه ” قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة” (ص 28).

ثانيا :

يجب الانتباه إلى أن وجوب الأخذ بالسنة النبوية، هو أمر ثابت في شريعتنا على وجه القطع واليقين.

قال الله تعالى:

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/ 7.

وقال الله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59.

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:

” والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمرَ ونهى، وبعد وفاته باتباع سنته. وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجبُ التسليم له ” انتهى، من “تفسير الطبري” (7 / 175 – 176).

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

” وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع؛ قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا ، وإلى كل من يخلق ويُركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس، كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق … ” انتهى، من “الاحكام” (1 / 97).

وعلى هذا أجمعت الأمة التي لا يجوز مخالفة اجماعها.

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء /115.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

” لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ بأن الله جل ثناؤه لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ، لا يُختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … ” انتهى، من “الأم” (9 / 5).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

” وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار، فيما علمت، على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به، إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافا ” انتهى، من “التمهيد” (1 / 2).

ثالثا:

أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم هي صحيحة باتفاق أهل العلم بالحديث، إلا أحاديث يسيرة ، فيها بحث لأهل العلم ، وهي محصورة ، والبحث فيها معروف لأهل العلم .

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

” وأعلاها الأول- أي مراتب الحديث الصحيح -، وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا: “صحيح متفق عليه”. يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة عليه. لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك ، وحاصل معه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.

وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته …

ما انفرد به البخاري أو مسلم : مندرج في قبيل ما يقطع بصحته ، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم.” انتهى، من “المقدمة” (ص 28 – 29).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث ، تلقوها بالقبول ، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (1 / 257).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

” وأهل الحديث متفقون على أحاديث الصحيحين، وإن تنازعوا في أحاديث يسيرة منها جدا وهم متفقون على لفظها ومعناها، كما اتفق المسلمون على لفظ القرآن ومعناه ” انتهى، من “الصواعق المرسلة” (2 / 655).

وراجع للأهمية الفتوى رقم (122705) ورقم (119516).

رابعا:

أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم، مما يقطع بصحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأجماع الأمة واتفاقها على صحتها إلا أحاديث يسيرة، والأمة لا تجتمع على باطل.

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

” والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبتنى على الاجتهاد حجة مقطوعا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك.

وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها: القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول ، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم ” انتهى، من “معرفة أنواع علم الحديث” (ص 97).

وعلى هذا محققو أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول.

وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك؛ فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن؛ لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق ، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد؛ فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور ، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي؛ لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ، ولا التكذيب بصدق ” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (18 / 41).

ويلتحق بهذا كل حديث خارج الصحيحين مما اتفقت الأمة على صحته.

ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم (197164).

وأما الأحاديث التي اختلف في صحتها، فمن ترجح عنده صحة حديث منها على وفق القواعد الحديثية، فإن عليه أن يعمل به، لأن الظن في هذه الحالة هو ظن غالب؛ وغلبة الظن الناتجة عن طريق استدلال علمي صحيح، هو ظن يعمل به .

وهذه قاعدة شرعية لها أدلة وشواهد كثيرة جدا من الكتاب والسنة، وعلى هذا جميع العقلاء، في جميع مجالات الحياة، فمثلا كل قضاة الدنيا يحكمون في أموال الناس ودماءهم بغلبة الظن، وطلب اليقين الجازم في كل قضية هو أمر محال، ولا تستقيم الحياة به.

أما الظن المذموم الذي على المسلم أن يجتنبه، فهو الظن الناتج عن غير استدلال صحيح، وإنما هو مجرد توهم، كما كان حال المشركين في شركهم فإن ظنونهم كانت ناتجة عن التخيلات الفاسدة، كزعمهم أن الملائكة إناث فهم لم يطلعوا على الغيب حتى يحكموا بهذا الحكم، فمثل هذه الظنون هي التي نهى عنا الشرع.

قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) النجم /27 – 28.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android