0 / 0

معنى “تعالى جدك” في دعاء الاستفتاح.

السؤال: 257583

وصلني اليوم رسالة تقول بالنص : ” أن أغلب المصلين يخطئون في دعاء الاستفتاح فيقولون “وتعالى جَدُك” بفتح الجيم وهذا خطأ كبير ، لأن الله سبحانه وتعالى لا والد له ولا ولد ولا جد ! . ، والصحيح قول “جِدُك” بكسر الجيم ومعناها العظمة لله . ” ما صحة هذا الكلام ؟ وما الصحيح في القول جَدك أم جِدك ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة . ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى مسلم في صحيحه (399) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ .

وقد روي ذلك مرفوعا ، وموقوفا على عمر ، وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وينظر : “السنن” للدارقطني (2/58) وما بعدها . سلسلة الأحاديث الصحيحة (2996) ، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ص93) للألباني رحمه الله.

وقد ضبط العلماء من أهل الحديث والفقه واللغة وغيرهم (الجَدّ) هنا بفتح الجيم ، ولم يذكروا غيره.

و(الجَدُّ) هو العظمة .

فمعنى الحديث : تعالت عظمتك .

قال النووي رحمه الله في “تهذيب الأسماء واللغات” (3/331) :

“وقوله في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) مفتوح الجيم ، أي ارتفعت عظمتك .

وقيل : المراد بالجد: الغنى ، وكلاهما حسن، ولم يذكر الخطابي إلا العظمة، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) (الجن/3) أي عظمته” انتهى .

وقال البعلي في “المطلع على أبواب المقنع” (ص 46) :

“(وتعالى جدك) جدُّك، بفتح الجيم” انتهى .

وقال البهوتي رحمه الله في “كشاف القناع” (2/478) :

“( وَتَعَالَى جَدُّكَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ : عَلَا جَلَالُكَ ، وَارْتَفَعَتْ عَظَمَتُك” انتهى .

وفي حاشية ابن قاسم على “الروض المربع” (2/22) :

“و(جد) بفتح الجيم ، العظمة والحظ والسعادة والغناء، وتعالى: تعاظم، جاء على بناء السعة والمبالغة، فدل على كمال العلو ونهايته، أي : علا جلالك، وارتفعت عظمتك، وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنك على كل شأن، وقهر سلطانك كل سلطان” انتهى .

وفي “توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام” للبسام (2/169) :

“جدّك: بفتح الجيم وتشديد الدال، أي عظمتك وجلالك وسلطانك” انتهى .

وقد تكررت هذه الكلمة (جَد) بفتح الجيم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية .

قال الله تعالى على لسان الجن : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) الجن/3 .

قال السعدي رحمه الله (ص890) : أي : تعالت عظمته ، وتقدست أسماؤه” انتهى .

وقال القرطبي رحمه الله (19/8) : “(جد ربنا) أي : عظمته وجلاله” انتهى .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه البخاري (844) ، ومسلم (593).

قال العلماء أي : لا ينفع ذا الحظ والغنى والجاه، منك : حظُّه، وغناه، وجاهه .

قال ابن رجب في قوله صلى الله عليه وسلم : (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) :

“والجد -بفتح الجيم- المراد به في هذا الحديث: الغنى، والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غناه..” انتهى من “فتح الباري لابن رجب” (7/417) .

وقال النووي في شرح صحيح مسلم :

“وَقَوْله : ( ذَا الْجَدّ ) الْمَشْهُور فِيهِ فَتْح الْجِيم، هَكَذَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ .

قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : هُوَ بِالْفَتْحِ ، قَالَ : وَقَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكَسْرِ ، قَالَ : وَهَذَا خِلَاف مَا عَرَفَهُ أَهْل النَّقْل ، قَالَ : وَلَا يَعْلَم مَنْ قَالَه غَيْره .

وَضَعَّفَ الطَّبَرِيّ وَمَنْ بَعْده الْكَسْر ، قَالُوا : وَمَعْنَاهُ – عَلَى ضَعْفه – : الِاجْتِهَاد ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اِجْتِهَادُه ، إِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه: رَحْمَتُك .

وَقِيلَ: الْمُرَاد: ذَا الْجَدّ وَالسَّعْي التَّامّ فِي الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا .

وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب مِنْك هَرَبَهُ ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتك وَسُلْطَانك .

وَالصَّحِيح الْمَشْهُور: الْجَدّ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْحَظّ وَالْغِنَى وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْحَظّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَد وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان، مِنْك : حَظّه ؛ أَيْ لَا يُنْجِيه حَظّه مِنْك ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه الْعَمَل الصَّالِح ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك)” انتهى .

وبهذا يتبين أن ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة .

ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

ولأنه بالكسر يتغير معنى الحديث ، فالجِدُّ بالكسر هو الاجتهاد في العمل ، وضد الهزل ، وهذا المعنى غير مراد من الحديث .

والواجب على من أراد أن ينبه الناس على خطأ يقعون فيه: أن يتأكد من صحة الكلام قبل نشره ، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالأحكام الشرعية والأحاديث النبوية ، حتى لا يقع في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر ، وحتى لا ينهى عن الصواب ويأمر بالخطأ ، فيكون من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) الكهف/104.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

اللقاء الشهري 17 

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android