0 / 0
54,74918/02/2015

العقل الصحيح لا يخالف النقل الصحيح .

السؤال: 225512

ما معنی قول ابن الجوزي رحمه الله: ( إذا رأيت الحديث يباين المعقول … فاعلم أنه موضوع ) بينما كثير من الأحاديث تباين المعقول كإمساك رسول الله صلى الله عليه وسلم برقبة الجنِّي وخلق الإبل من الجن والشجرة التي جاءت إلی رسول الله صلى الله عليه ، وغيرها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو يوافق العقل والفطرة ، ولا يمكن أن يخالف العقل الصحيح النقل الصحيح بحال .
وإنما قد يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحيانًا بما تحار فيه العقول ولا تدركه لعجزها وضعفها ، لا بما تحيله العقول ولا تقبله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ما جاء عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِفِطْرَةِ الْخَلَائِقِ ، وَمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنْ الْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، والقصود الصَّحِيحَة ، لَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ ، وَلَا الْقَصْدَ الصَّحِيحَ ، وَلَا الْفِطْرَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ ، وَلَا النَّقْلَ الصَّحِيحَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَعَارُضَهَا : مَنْ صَدَّقَ بِبَاطِلِ مِنْ النُّقُولِ ، أَوْ فَهِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ، أَوْ اعْتَقَدَ شَيْئًا ظَنَّهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَهُوَ مِنْ الجهليات ، أَوْ مِنْ الْكُشُوفَاتِ وَهُوَ مِنْ الكسوفات إنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِمَنْقُولِ صَحِيحٍ وَإِلَّا عَارَضَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ ، أَوْ الْكَشْفِ الصَّحِيح ِ، مَا يَظُنُّهُ مَنْقُولًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ ، أَوْ مَا يَظُنُّهُ لَفْظًا دَالًّا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ " انتهى . "الرسالة العرشية" (ص: 35) .
وقال أيضا :
" ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ . وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس ، أو يفهمون منها معنى باطلاً ، فالآفةُ منهم ، لا من الكتاب والسُّنَّة " انتهى .
"مجموع الفتاوى" ( 11 / 490 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع باستحالته ، بل أخبارهم قسمان :
أحدهما : ما تشهد به العقول والفطر .
الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها ، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وتفاصيل الثواب والعقاب ، ولا يكون خبرهم محالا في العقول أصلا ، وكل خبر يظن أن العقل يحيله ، فلا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون الخبر كذبا عليهم ، أو يكون ذلك العقل فاسدًا ، وهو شبهة خيالية ، يظن صاحبها أنها معقول صريح " انتهى من "الروح" (ص 62) . وينظر : "الصواعق المرسلة" (3/ 829-830).

وعلى ذلك : فقول الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله :
" مَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ : إِذَا رَأَيْتَ الْحَدِيثَ يُبَايِنُ الْمَعْقُولَ أَوْ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ أَوْ يُنَاقِضُ الْأُصُولَ : فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ " انتهى من "تدريب الراوي" (1/ 327).
يعني : أن من أمارات الحديث الموضوع أنه يخالف صريح العقل ، أو يخالف صحيح النقل ، أو يخالف أصلا معمولاً به متفقا عليه .
فمخالفته لصريح العقل : أن يأتي بما يرده العقل ويأباه ، كحديث : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْفَرَسَ فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ ، فَخَلَقَ نَفَسَهُ مِنْهَا ) .
قال السيوطي رحمه الله :
"هَذَا لَا يَضَعُهُ مُسْلِمٌ ، بَلْ وَلَا عَاقِلٌ ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ كَانَ زَائِغًا فِي دِينِهِ "
انتهى من "تدريب الراوي" (1/ 328).

أما أن يأتي الحديث الصحيح بما لا سبيل للعقل إليه لنقصه وعجزه ، كأن يأتي ببعض المعجزات النبوية ، أو يأتي ببعض الأخبار الغيبية : فمثل هذا يسمى " محارات العقول " ولا يسمى " محالات العقول " فهو لا يخالف العقل ، ولكن يعجزه ويحيره ، فإما أن يسلم العبد به ويقبله ويقر بعجزه – وتلك حال المؤمن – وإما أن يرفضه ويرده – وتلك حال الجاهل المكذب .
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابي أن يدعو الشجرة فيدعوها فتنقاد إليه ، أو كونه يمسك الجني ويخنقه حتى يجد برد لعابه بين أصبعيه : فهذا من دلائل النبوة التي يجب تصديقها عند صحة الخبر بها ، فيزداد بها المؤمن إيمانًا ، والكافر كفرانًا ؛ وليس في بدائه العقول ولا قضاياها ما يحكم باستحالة مثل ذلك ، أو يقضي ببطلانه ، وإن عجز العقل عن إدراك كيفية ذلك ، أو الحكم بها ثبوتا أو نفيا ، من غير ورود الخبر به .
أما حديث : ( صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ؛ فإنها خلقت من الشياطين ) رواه ابن ماجة (769) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
فليس المراد به ـ على المشهور ـ أنها خلقت من الشياطين حقيقة ، وإنما المراد أن أكل لحومها يورث قوة شيطانية نافرة ، والغاذي شبيه بالمغتذي ، وأنها خلقت على صفة تشبه الجن في النفور والإيذاء ، فلذلك أمر بالوضوء من لحومها ، ونهى عن الصلاة في أعطانها .
انظر : "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (20/523) (21/10) ، "حاشية ابن عابدين" (1/380),
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (6981).

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android