0 / 0

ليس الغالب في قريش وبني هاشم السواد الشديد بل السُّمرة

السؤال: 219388

قرأت على أحد المواقع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عربي أصيل لم يخالطه دم آخر ، وأنه من بني هاشم من قريش ، وأنّ اللون الأسود كان يغلب على قريش ، وخصوصاً بني هاشم ، كما ذكر روبرت سبنسر ، وهنري لامنس ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أخطاء الباحثين كثيرا ما تكمن في دعاوى الأكثرية أو الأغلبية من غير تحرير ، كمثل دعوى أن أكثر القرشيين أو الهاشميين كانوا من السود ، فمثل هذه الدعاوى العريضة لا تكاد تُنصب عليها الأدلة ، ولا تقام لها البراهين ، وذلك أن شأن ألوان البشر من التنوع والتداخل والاختلاط إلى حد التعقيد الذي يتعذر معه الضبط والتحديد ، أو إجراء الإحصاء الدقيق بالأرقام ؛ لذلك حق الباحث المنصف الاعتدال في العبارة ، وتحري الموضوعية في الوصف .
وقد تأملنا في الأدلة المنقولة ، وفي العديد من كتب التاريخ والأنساب ، فوجدنا أن اللون الأسود لم يكن هو الغالب على قريش أو بني هاشم ، بل اللون الغالب يومئذ هو الغالب اليوم أيضا ، وهو لون الأدمة ، أيّ : السُّمرة . كما يقول المبرد رحمه الله تعالى : ” الغالب على أولاد العرب الأدمة ” انتهى من ” تهذيب اللغة ” (6/40) .

وقد استخلصنا هذه النتيجة من أدلة عديدة ، منها :
الدليل الأول :
الواقع المشاهد في القبائل القرشية والهاشمية المعروفة اليوم : يدلك على أن السواد لون موجود فيهم ، لكن ليس هو اللون الغالب ، ولا هو الأكثر المشاهد ، وهذا أمر معلوم بالعين والخلطة والمشاهدة ، ولا يحتاج لدليل بحثي أو توثيق من المصادر والمراجع .

الدليل الثاني :
أن المصادر والمراجع العربية الكثيرة ، والدراسات المتخصصة في جنس العرب ووصف صفاتهم الخلقية والخلقية ، لم تنسب لون السواد للقرشيين ، فضلا عن الهاشميين ، ومن ادعى ذلك فعليه بذكر المراجع الأصلية التي تنقل مثل هذه الأوصاف . وقد راجعنا العديد منها ، ككتاب ” أنساب الأشراف ” للبلاذري (ت279هـ) ، وكتاب ” مقاتل الطالبيين ” لأبي الفرج الأصبهاني (ت356هـ) وغيرها ، فلم نجد شيئا يدل على هذا الوصف العام .

الدليل الثالث :
أن الدليل الأهم الذي يذكره المستشرقون الذين نقلت عنهم في السؤال هو كلام الجاحظ (ت255هـ) في رسالته ” فخر السودان على البيضان ” ، فقد قال في هذه الرسالة :
” قالوا : وكان ولد عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْماً ضخما ، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جونٌ ، فقال : بهؤلاء تُمنع السَّدانة . وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخما . وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق ، وهم سودٌ ، وأدمٌ ، ودلْم ” انتهى من ” الرسائل ” للجاحظ (1/209) ، تحقيق عبد السلام هارون . والأدلم : الشديد السواد .
وهذا كما ترى لا يدل على أكثرية السواد في أفراد قريش ولا في بني هاشم :
لأن ما نقله الجاحظ هنا إنما هو حجة احتج بها السودان على البيضان كما قال ، ولا يعني ذلك التسليم بصحة هذه الحجة ، ولا أخذها محل الرضا والقبول ، فقد بحثنا جاهدين عن نقل آخر في أي كتاب ، فلم نوفق لما يؤيد هذه الفكرة إطلاقا ، فهي فكرة تفرد بها هؤلاء المتعصبون للون الأسود من بني البشر ، والمتعصب لا يصدق خبره حتى يأتي بالدليل عليه .
ثم إن وصف الأبناء بالسواد لا يعني أن النسل سيكون أسود أيضا ، فالسواد أصلا طارئ في بني عبد المطلب أو بني طالب ، وحينئذ لن تكون الذرية سوداء لزوما ، بل سيكون فيهم السواد ، وفيهم الأدمة العربية المعروفة .
وقوله : ” سود ، وأدم ، ودلم ” يدل على أنه كان منهم الأدلم ( الشديد السواد )، ومنهم الآدم ( الأسمر في لغتنا المعاصرة ) ، ومنهم ( الأسود ) ، ولا يراد به ( الشديد السواد ) ، بل السمرة الغامقة فحسب ، كما سيأتي نقله عن العلماء . فقد كان العرب يقسمون الناس إلى قسمين : الأحمر والأسود . والأحمر يريدون به البياض ، والأسود من عدا ذلك من الآدم والأسمر والأدلم .

الدليل الرابع :
أن بعض العلماء المتقدمين صنفوا في أصحاب البشرة السوداء ، وسموهم باسم ” السودان ” ، كالجاحظ (ت255هـ) في رسالته ” فخر السودان على البيضان ” ، وابن الجوزي (ت597هـ) في كتابه ” تنوير الغبش في فضل السودان والحبش ” ، وحاول المؤلفان – على تفاوت عصريهما – حصر أشهر أعلام الصحابة والتابعين والعلماء الذين عرفوا بالسواد ، فلم يذكروا سوى : لقمان الحكيم ، ومن الصحابة والتابعين لم يعدوا سوى : بلالا الحبشي ، والمقداد ، وجليبيبا ، وسعيد بن جبير ، ومكحولا ، ونفرا يسيرا آخرين . ينظر ” رسائل الجاحظ ” (1/179-181) .
وذكر ابن الجوزي – أيضا – منهم سالما مولى أبي حذيفة ، وأسامة بن زيد ، وأبا بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومغيثا زوج بريرة ، وأم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وحبيب بن أبي ثابت ، ويزيد بن أبي حبيب .
وقد استقصى في هذه الرسالة كثيرا من أخبار السودان والزنوج وحوادثهم ، وما كانوا يلاقونه من فخر الناس أو تعصبهم عليهم ، وما كانوا يفخرون به هم ، على سائر العرب ، ونحو ذلك من الأمور ، ولم يسموا من مشاهير آل البيت الكرام أو الهاشميين المطلبيين أنه كان من ” السودان ” إلا نفرا يسيرا .
نعم ، عقد ابن الجوزي رحمه الله بابا بعنوان : ” في ذكر أبناء الحبشيات من قريش ” – كما في ” تنوير الغبش ” (ص/246) – وذكر منهم : ” نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، نفيل بن عبد العزى العدوي ، عمرو بن ربيعة بن حبيب ، الخطاب بن نفيل العدوي ، الحارث بن أبي ربيعة المخزومي ، عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، هشام بن عقبة بن أبي معيط ، مالك بن عبد الله بن جدعان ، عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية ، المهاجر بن قنفذ بن عمرو ، مسافع بن عياض بن صخر التيمي ، عمرو بن العاص بن وائل [السهمي] ، قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ، مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير ، سمرة بن حبيب بن عبد شمس ، عبد الله بن زمعة من بني عامر بن لؤي ، عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، يعلى بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز ، محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عبيد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر ، محمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن ، وأبوهما سليمان بن حسن من بني عقيل بن أبي طالب ، محمد بن داود بن محمد من بني الحسن بن علي ، أحمد بن عبد الملك من ولد عثمان بن عفان ، أحمد بن محمد بن صالح المخزومي ، العباس بن المعتصم ، هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ، محمد بن عبد الله بن إسحاق المهدي ، عيسى وجعفر ابنا أبي جعفر المنصور ، العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد ” انتهى .

ولكن هذا الحصر والتعداد – في مختلف القبائل العربية والقرشية – يدل على أن السواد موجود في النسل العربي ، ولكنه ليس هو الأكثر الغالب ، بل محدود إلى القدر الذي يمكن حصره بالأسماء ، فضلا عن أن الأم الحبشية لا تعني بالضرورة سواد النسل منها ، كما أن السواد طارئ أصلا على الجنس العربي ، ذلك أنهم في الجاهلية كانوا يفضلون في بعض الأحيان الإنجاب من السودان والحبشة ؛ لغرض قوة النسل والفروسية ، كما ذكر ذلك الجاحظ في رسالته .

يقول الدكتور جواد علي :
” اشتهر بعض سودان العرب بالشجاعة والإقدام ، منهم أربعة عرفوا بـ ” أغربة العرب ” وذؤبان العرب , منهم : عنترة وخُفَاف بن نُدْبة السلمي … وهناك قبائل غلب على لونها السواد ، حتى عبر عنها بـ ” دلم “, والدلم : الرجل الشديد السواد . جاء إليها السواد ؛ لكون أصلها من إفريقيا على ما يظهر ، وكانت قد استقرت بجزيرة العرب وتعربت ، حتى عدت من العرب , أما الأسر والأفراد الدلم ، فقد ظهر السواد على لونهم بالتزاوج من الملونين . فقد كان من عادة الأشراف الاتصال بالإماء السود ، فإذا ولدن منهم أولادًا نجبًا شجعانًا ألحقهم آباؤهم بهم ، ونسبوهم إليهم ، كالذي كان من أمر عنترة العبسي ، وقد مال قوم من قريش إلى التزوج بالإماء السود ، وقد ظهرت هذه النزعة بين السادات والأشراف .
وقد ذكر ” الجاحظ ” في معرض حجج السودان على البيضان ، وعلى لسان الزنج ، قولهم للعرب : ” من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم ، فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدًا , وما بنا الرغبة عنكم ، مع أن البادية منا ملأى ممن قد تزوج ورأس وساد ، ومنع الذمار ، وكَنَفَكم من العدو ” .
وفي هذا القول إشارة إلى التزاوج الذي كان بين العرب والزنج , أي : السودان المجلوبين من إفريقيا في أيام الجاهلية ، وإلى انصراف العرب عنه في الإسلام ما خلا البادية ؛ وذلك بسبب إقبالهم على التزوج بالفارسيات والروميات وبغيرهن على ما يظهر ، بسبب الفتوح وتوسع أسواق النخاسة في هذا الوقت , وارتفاع مستوى الوضع الاقتصادي للعرب في الإسلام عنه في الجاهلية ؛ مما مكنهم من التزوج بالأجنبيات البيض الجميلات ، وتفضيلهن على السودانيات . وظهور نظرة الازدراء إلى السودان في الإسلام ؛ بسبب الأعاجم المسلمين الذين كانوا يزدرون العبيد وينظرون إليهم على أنهم دونهم في المنزلة ، فانتقلت هذه النظرة منهم إلى العرب ” انتهى من ” المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ” (7/311) .

الدليل الخامس :
أقوال المؤرخين ، والمستشرقين المعتدلين كلها تؤيد ما سبق تقريره أيضا ، فمن ذلك :
يقول أبو عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ) :
” الغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة ، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة ” انتهى من ” غريب الحديث ” (3/484) .

ويقول الأزهري رحمه الله (ت370هـ) :
” قال المبرد : قيل لولد العربي من غير العربية : هجين ؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة ، وكانت العرب تسمي العجم : الحمراء لغلبة البياض على ألوانهم ، ويقولون لمن علا لونه البياض أحمر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : يا حميراء ؛ لغلبة البياض على لونها . ( بعثت إلى الأسود والأحمر ) فأسودهم : العرب ، وأحمرهم : العجم ” انتهى من ” تهذيب اللغة ” (6/ 40) .

ويقول ابن عبد البر رحمه الله (463هـ) :
” الأدمة لون العرب ، وهي السمرة في الرجال ” انتهى من ” الاستذكار ” (8/333) .

ويقول الحريري البصري (ت516هـ) :
” يقولون في الكناية عن العربي والعجمي : الأسود والأبيض . والعرب تقول فيهما : الأسود والأحمر ، تعني العرب والعجم ؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة ، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة ، والعرب تسمي البيضاء حمراء ، كما تسمي السوداء خضراء ” انتهى من ” درة الغواص في أوهام الخواص ” (ص/204) .

ويقول غوستاف لوبون :
” استوقف تأثيرُ الزنوج في سكان جزيرة العرب نظر جميع السياح الذين ارتادوها ، ومن ذلك أن روى (روتا) وجود بقعة في اليمن صار سكانها من أصحاب الجلود السود على وجه التقريب ، مع أن سكان الجبال من أهل اليمن الذين قل اختلاطهم بالآخرين ظلوا بيضا ، وإن قص هذا السائح في معرض الكلام عن أسرة أحد رؤساء تلك البقعة ، أنه يوجد في أبنائها جميع الألوان التي تترجح بين الأسود والأبيض ، تبعا للعروض التي تنتسب إليها أمهاتهم ، ومن ذلك أن رأى (والين) قبائل من العبيد السود في الجوف ، وأنه يوجد زنوج في نجد ، وفي بقية جزيرة العرب من غير اكتراث للون وللتوالد ، ومن ذلك أن رأى (بلغريف) مقاليد مدينة القطيف النجدية المهمة بيد زنجي ، ومما قاله بلغريف : ” إنني رأيت في الرياض أناسا من الخلاسيين ، يحملون سيوفا ذات مقابض فضية ، ويخدمهم عرب خلص من أبناء إسماعيل وقحطان ” .
وعجبت (ليدي بلنت) من عدم الاكتراث لأمر اللون أيضا ، وذلك في رحلتها إلى بلاد نجد في سنة (1878م) فروت أن حاكم مدينة سكاكة النجدية زنجي أسود كريه الملامح كزنوج إفريقية ، ثم قالت : إن مما لا يصدقه العقل أن يحيط بهذا الحاكم الزنجي الذي لا يزال عبدا رهط من الندماء البيض الخلاص العروبة ، يمتثلون أوامره ، ويبتسمون استحسانا لأفاكيهه التافهة ” انتهى من ” حضارة العرب ” (ص68) .

وهذا كلام من مستشرق متخصص في شؤون العرب والمسلمين ، يقرر فيه أن وجود اللون الأسود في العرب يستوقف بعض الناظرين ، الأمر الدال على أنه ليس هو الغالب الأكثر . وأما دعوى إطلاق السواد فلا تجدها إلا عند المتعصبين من المستشرقين ، الذين اشتهروا بتحريفهم وتزييفهم لحقائق التاريخ ، فلا تستغرب أن تكون لهم بعض المآرب في الحديث عن ألوان العرب والقرشيين والهاشميين .

يقول عبد الرحمن بدوي – في ترجمة هنري لامنس (1862-1937م) – :
” مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقارا تاما إلى النزاهة في البحث ، والأمانة في نقل النصوص وفهمها . يعد نموذجا سيئا جدا للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين ” انتهى من ” موسوعة المستشرقين ” (ص/503) .
وانظر : http://ar.islamway.net/article/2995/

وانظر ترجمة روبرت سبنسر في الرابط الآتي :
http://www.alukah.net/sharia/0/6621/

وأخيرا فلا نقرر هذا أَنَفَةً من السواد ، أو تنقُّصا من قدر أصحاب هذه البشرة ، ولكن على سبيل البحث التاريخي الموضوعي الذي يستعمل الحياد ، ولا يميل ذات اليمين أو ذات الشمال بإذن الله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android