0 / 0

صور نكاح الشغار ، ومتى يكون باطلا ؟

السؤال: 214343

أنا متزوجة من ابن عمي منذ سنة تقريباً ، ولكنني في حيرة من أمري بخصوص صحة زواجي ، فأخت زوجي متزوجة من أخي وقد قرأت على موقعكم أنّ هذا النوع من الزواج يدعى نكاح الشغار وهو مُحرّم في الإسلام ، مع العلم أنّ هذا الأمر شائع جداً في باكستان وأفغانستان ويطلق عليه في لغة الباشتو " زواج البدل " وهو يمارس منذ فترة طويلة جداً ، فإذا كان الزواج بهذه الطريقة محرما في الشريعة لماذا لا نجد من يعترض عليه من الأئمة ، ولا نجدهم يمتنعون عن عقد النكاح بتلك الطريقة ؟ لقد بحثت عن معلومات حول نكاح الشغار ولكن لا زلت لا أدري إن كان زواجي يعتبر من هذا النوع أم لا ، حيث وجدت أقولاً مختلفة للعلماء حول هذه المسألة ، فعلى سبيل المثال وجدت أنّ المذهب الحنفي يرى صحة العقد ووجوب المهر ، بينما ترى المذاهب الأخرى خلاف ذلك ، فما هو نكاح الشغار ؟ وهل زواجي يندرج تحت نكاح الشغار ؟ وما هو الحل إذا كان الزوجان سعيدين في حياتهما ولديهما أطفال من هذا الزواج ؟ هل ينبغي عليهما الطلاق مع الأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي ستنتج عن ذلك بين العائلات ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
" الشغار " أو ما يسميه الناس بـ " زواج البدل " جاءت الشريعة الاسلامية بتحريمه والنهي عنه ؛ لما فيه من ظلم للمرأة ، وهضم لحقها ، وتلاعب بمسؤولية الولاية .
فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ) رواه مسلم (1415) .

وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ) رواه مسلم (1417) .

ثانيا :
الزواج على سبيل البدل له ثلاث صور :
الأولى : أن يتزوج كلُّ واحدٍ منهما من قريبة الآخر ومن هي تحت ولايته ، دون اشتراط أن يكون زواج أحدهما مبنياً على زواج الآخر ومتوقفاً عليه ، ومع وجود مهر مقرَّر لكلٍّ منهما .
فهذه الصورة ليست من " نكاح الشغار " ولا حرج فيها .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " ( 18/427 ) :
" أما إن خطب هذا مولية هذا ، وخطب الآخر موليته ، من دون مشارطة ، وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح : فلا خلاف في ذلك ، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار " انتهى .

الثانية : أن يتم الزواج بشرط أن يزوج كل واحد منهما موليته من الآخر ، مع عدم وجود مهر لهما ، بحيث يكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما فِي مُقابَلة بضْع الأخرَى .
فهذه الصورة من الشغار المنهي عنه في السنة النبوية باتفاق العلماء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" فَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ، وَلَمْ يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ : فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ : فَهُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلَيَّتَهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلَيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعُ هَذِهِ بِبُضْعِ هَذِهِ ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ " انتهى من " الاستذكار " (5/465) .
وقال – أيضاً – : " وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه أَنَّهُ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " انتهى من " التمهيد " (14/70) .

وقال ابن رشد رحمه الله :
" فَأَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ " انتهى من " بداية المجتهد " (3/80) .

وهذا الحكم لا يقتصر على البنت أو الأخت ، بل يشمل كل من كانت تحت ولايته .
قال النووي رحمه الله :
" وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ ، كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (9/201) .

وعلماء المذهب الحنفي يوافقون جمهور العلماء على أن هذه الصورة من النكاح ، منهي عنها ولا تجوز ، إلا أنهم يصححون النكاح ، ويوجبون فيه مهر المثل لكل واحدة منهما ، قالوا : وبذلك لا يكون شغارا .
انظر : المبسوط (5/105) ، بدائع الصنائع (2/278) .

الثالثة : أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من هي تحت ولايته ، بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو موليته ، لكن مع وجود مهرٍ لكلٍّ منهما ، سواء كان متساوياً أو مختلفاً .
فهذه الصورة محل خلاف بين العلماء .
فذهب بعض العلماء إلى أن هذه الصورة تدخل في الشغار المنهي عنه أيضاً ، وأن وجود الشرط كافٍ في جعلها من نكاح الشغار ، وهو قول الظاهرية ، واختاره بعض العلماء من الشافعية والحنابلة .

قال الخرقي – الحنبلي – رحمه الله :
" وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته : فلا نكاح بينهما ، وإن سموا مع ذلك أيضا صداقا " انتهى من " مختصر الخرقي " (ص 238 ) ، وانظر : " المحلى " لابن حزم (9/118) .

واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فجاء في فتواهم :
" إذا زوَّج الرجل موليته لرجل ، على أن يزوجه الآخر موليته : فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح " البدل " ، وهو نكاح فاسد ، سواء سمِّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا " انتهى " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (18/427) .

واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه (1416) من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" والصواب أنه يكون شغارا مطلقا ، إذا كان فيه الشرط ؛ لظاهر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( والشغار أن يقول الرجل : زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ) ، ولم يقل : وليس بينهما صداق ، بل أطلق " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (20/280) .

وقال – أيضاً – رحمه الله :
" نكاح البدل لا يجوز ، ويسمى نكاح الشغار ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، فلا يجوز نكاح البدل بالمشارطة ، يقول هذا : زوجني أختك ، وأزوجك أختي ، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ، هذا هو نكاح البدل ويقال له : نكاح الشغار ، ولو سمى مهرا ، ولو تساوى المهر ، ولو اختلف المهر ، ما دام فيه مشارطة لا يجوز " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (21/26) .

وهذا النكاح يسميه المالكية : " وجه الشغار " ، والحكم فيه عندهم : أنه يفسخ قبل الدخول استحباباً ، وأما بعد الدخول فيحكم بصحته ، مع ثبوت الأكثر من مهر المثل ، أو المهر المسمى لكل منهما .

ففي " التهذيب في اختصار المدونة " (2/132) :
" وإن قال له : زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة ، أو قال : بخمسين ، فلا خير فيه ، وهو من وجه الشغار ، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ، ويكون لكل واحدة منهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل ، وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه " انتهى .

وإنما سمي " وجه الشغار" : " لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا ، لَيْسَ بِشِغَارٍ ؛ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَهُوَ شِغَارٌ " انتهى من " حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني " (2/52) .

والذي عليه جمهور العلماء : أن هذا النكاح لا يعد من الشغار ، إذا تم تسمية مهرٍ لكلٍّ منهما .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :
" وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، وَصَدَاقَ الْأُخْرَى كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ … = فَلَيْسَ هَذَا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ " انتهى من " الأم " (5/83) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا ، فَقَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ : صِحَّتُهُ " انتهى من " المغني" (7/177) .

وقال ابن القيم : " وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ :
فَقِيلَ : هِيَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَقِيلَ : الْعِلَّةُ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ ، وَجَعْلُ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا الْمَهْرُ ، بَلْ عَادَ الْمُهْرُ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَهُوَ مِلْكُهُ لِبُضْعِ زَوْجَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِبُضْعِ مُوَلِّيَتِهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِخْلَاءٌ لِنِكَاحِهِمَا عَنْ مَهْرٍ تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : بَلَدٌ شَاغِرٌ مِنْ أَمِيرٍ ، وَدَارٌ شَاغِرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا : إِذَا خَلَتْ ، وَشَغَرَ الْكَلْبُ : إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَأَخْلَى مَكَانَهَا .
فَإِذَا سَمَّوْا مَهْرًا مَعَ ذَلِكَ زَالَ الْمَحْذُورُ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ شَرْطًا لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ ، فَهَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (5/99) .

ويدل على هذا : ما رواه البخاري (5112) ، ومسلم (1415) من طريق مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " ، " وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " .

قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :
" لاَ أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ ، أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَوْ نَافِعٍ ، أَوْ مَالِكٌ " انتهى من " الأم " للشافعي (6/197) .

وقد جاء ما يدل على أن هذا التفسير من نافع رحمه الله تعالى .
ففي صحيح البخاري (6960) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر العمَري ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " .
قُلْتُ لِنَافِعٍ : مَا الشِّغَارُ ؟
قَالَ : " يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ " .

وقال الجوهري في " الصحاح " (2/700) :
" والشِغارُ بكسر الشين : نِكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زَوِّجْني ابنتك أو أختك على أن أزوِّجك أختي أو ابنتي ، على أنَّ صداق كلِّ واحدة منهما بُضْعُ الأخرى ، كأنَّهما رفعا المهر وأخليا البُضْعَ عنه " انتهى .

وأما ما رواه مسلم من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمر العمري ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .

فإن تفسير الشغار فيه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، فقد رواه النسائي (6/112) : وبين فيه أن تفسير الشغار ، هو في قول عبيد الله بن عمر العمري – أحد رواة الحديث – ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .

وعلى هذا ، فلا حجة في هذا التفسير ، بل تفسير نافع أولى بالقبول منه .

وما ذهب إليه جمهور العلماء : أقوى وأرجح ، فإذا فُرض لها مهر مثلها ، وكان الزوج كفئا رضيت المرأة به : فليس هذا بنكاح الشغار .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/126) .

وقد اختار هذا القول سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ، فإنه سئل عن نكاح البدل إذا كانت كل واحدة من الزوجتين راضية وكان لها مهرها كاملا .
فأجاب : " إذا كان الأمر كما ذكرت من أن لكل واحدة من الزوجين مهر مثلها ، وأن كل واحدة منهما راضية بالزواج من الآخر : فلا بأس بالزواج المذكور ، وليس من الشغار المحرم ، وبالله التوفيق " انتهى من " فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم " (10/159) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ، فشرط عليه أن يزوجه … .
فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12/174) .

ومع القول بصحة العقد في هذه الصورة ، إلا أنه لا ينبغي سلوك هذه الطريق في الزواج .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في " مجموع فتاويه " (10/158) :
" وينبغي أن يلاحظ في المستقبل : بأن لا يعقد نكاحا فيه مبادلة ، سواء ذكر فيه مهرا أم لا ؛ لقوة القول بفساده ؛ لما فيه من فساد عظيم ؛ لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه ، إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء ، وهذا ، كما لا يخفى : لا يجوز ؛ ولأنه يؤدي أيضا إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن ، كما هو الواقع بين غالب الناس المتعاطين لهذا الأمر ، كما أنه يفضي إلى كثير من النزاع والخصومات بعد الزواج " انتهى .

ثالثاً :
إذا وقع نكاح الشغار – يعني : في الصورة التي اتفق العلماء على أنها من الشغار المنهي عنه ، على ما سبق – فهو باطل يجب فسخه عند جمهور العلماء ، وتجديد العقد .

سئل الإمام مالك رحمه الله كما في " المدونة الكبرى " (2/98) :
" أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ ؟
قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ " انتهى .

وقال الشافعي :
" فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ " انتهى من " المغني " (10/42) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله المالكي :
" وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ هَذَا النِّكَاحِ ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ " انتهى من " الاستذكار " (16/203) .

وعليه :
فمن تبين له أن زواجه كان على سبيل الشغار ، فيجب عليه فسخ هذا النكاح ، وعقده من جديد مع توفر سائر شروطه ، وأن يفرض للمرأة فيه مهراً يتراضيان عليه ، فقد سئل سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله عن نكاح الشغار فقال :
" النكاح فاسد ، ويلزم التفريق بينهما… ثم بعد ذلك هو خاطب من الخطاب إذا رغبته المرأة ودفع لها مهر مثلها : جاز له نكاحها بعقد جديد " انتهى من " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ " (10/160) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" فيزوجه وليها من جديد ، بعقد شرعي ومهر شرعي ، وبحضور شاهدين ، ولا حاجة إلى عدة بل في الحال ؛ لأن الماء ماؤه … أما إذا كان لا يرغب فيها ، وهي لا ترغب فيه ، فيطلقها طلقة واحدة ، فإذا اعتدت تزوجها من شاءت " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (21/39) .

ولكن سبق أن علماء المذهب الحنفي يصححون النكاح في هذه الصورة ، ويوجبون مهر المثل لكل امرأة .
فمن قلدهم في هذا القول ، أو كان في بلد عامة أهله على المذهب الحنفي ، أو القضاء في محاكمهم عليه : فإنه لا يفسخ نكاحه ، كما هي القاعدة في المسائل الاجتهادية .

قال ابن قدامة رحمه الله ، بعد الكلام على بطلان النكاح من غير ولي ، كما هو مذهب جمهور العلماء ، خلافا للأحناف :
" فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا : لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ
؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ " انتهى من " المغني " (7/6) .

وقال ابن مفلح رحمه الله :
" وَمَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ ، لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ ؛ كَحُكْمٍ " انتهى من " الفروع " (11/218) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن نكاح التحليل ، وماذا لو قلد المسلم بعض العلماء الذين أجازوه ؟
فأجاب :
" التَّحْلِيلُ الَّذِي يَتَوَاطَئُونَ فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ – لَفْظًا أَوْ عُرْفًا – عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَوْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ذَلِكَ : مُحَرَّمٌ ؛ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَهُ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ … وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا الْأَوَّلِ بِمِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إمْسَاكُهَا بِهَذَا التَّحْلِيلِ ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا .
لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ : جَوَازُ ذَلِكَ ؛ فَتَحَلَّلَتْ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ : فَالْأَقْوَى : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ؛ بَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ فِي الْمَاضِي عَمَّا سَلَفَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/151-152) .
وبناء على هذا ؛ فنكاحك صحيح ، ولكن ينهى الناس عن فعل ذلك في المستقبل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android