0 / 0
62,40117/12/2012

ما حكم منع البنت من إكمال دراستها الجامعية ؟

السؤال: 187478

أنا فتاة أبلغ من العمر أربعا وعشرين سنة ، وقد تخرجت من الثانوية منذ ست سنوات ، وأبي ما زال يمنعني من إكمال دراستي الجامعية بدون أي سبب ، علما بأن الجامعات هنا غير مختلطة ، ورسوم الدراسة بسيطة جدا ، وكنت قد جمعت جزءا كبيرا من الرسوم ، وكل ما طلبت منه أن يترك لي المجال لإكمال دراستي ، يرفض بدون توضيح أي سبب ، رغم أني ألح وأرجوه وأكثر من مرة بكيت بحرقة أمامه ، ولكن بدون فائدة ، فوالله إني أصبحت لا أبات ليلة إلا ودموعي تنهمر بكثرة من قهري على نفسي ، وأنا دائما أشعر بالإحراج من صديقاتي وكل من حولي ، فجميعهم أكملوا دراستهم ، وحصلوا على أعلى الشهادات ، حتى إن كل من يتقدم لخطبتي يتراجع عند معرفته بأني لم أكمل دراستي .

سؤالي :
هل يعد منع أبي لي من إكمال الدراسة ظلما لي ، وماذا أفعل حتى يقبل بما أريده من إكمال الدراسة ، مع العلم أني لا أشترط تخصصا معينا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
من الأمور الواجبة على الوالد نحو ولده ، في كفالته ، وقيامه على شأنه ، أن ينفق عليه النفقة التي يحتاجها ، من مطعم ، وملبس ، ونحو ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) رواه أبوداود (رقم/1692) وحسنه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
والتضييع كلمة مطلقة تشمل كل ضيعة تأدبية ، أو تعليمية ، أو مالية ، أو غير ذلك من تضييع حقوق الأبناء على الآباء .

وإذا كان تقدير نفقة الزوج على زوجته وأبنائه من جهة الطعام والشراب واللباس تتغير بتغير الزمان والمكان وبحسب الوسع والقدرة ، فمن باب أولى أن يتغير مستوى التعليم الواجب ، فكان في العصور السابقة مقتصرا على تعليم الفرائض والواجبات ، وأصبح اليوم شاملا للتعليم الجامعي الضروري ، إذ كلما تقدمت الأمم وارتفع الحد الأدنى من التعليم زادت مسؤولية الوالدين في رعاية أبنائهما على هذا الصعيد ، وصار الحد الأدنى هو المعروف بين الناس ، فالعادة محكمة ، والعرف له سلطانه وتأثيره .

وقد قال الفقهاء المتقدمون بأنه يجب على الوالد العمل على تعليم ولده حرفة أو صنعة يتكسب بها في كبره ، ويجب أن تكون مناسبة لقدره الاجتماعي والمالي ، فقال الإمام الرملي الشافعي رحمه الله : ” يسلمه ، وجوبا ، لتعليم حرفة على ما يليق بحال الولد ، وظاهر كلام الماوردي أنه ليس لأب شريف تعليم ولده صنعة تزريه ؛ لأن عليه رعاية حظه ، ولا يكله إلى أمه لعجز النساء عن مثل ذلك ، وأجرة ذلك في مال الولد إن وجد ، وإلا فعلى من عليه نفقته ” انتهى من ” نهاية المحتاج ” (7/233) .

فلا يستبعد أن يقال اليوم إن تعليم الحرفة اللائقة تقتضي إكمال الدراسة الجامعية ؛ فالوظائف والأعمال اللائقة اليوم لا يتولاها سوى الخريج الجامعي الذي يحمل شهادة معتمدة ، ومن قصر والده في توفير هذا الحق له ، فغالبا ما يضطر إلى أعمال تزري به ، على حد تعبير الإمام الرملي رحمه الله .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
” نحن إخوة وتعلمنا التعليم الجامعي ، ووالدنا على قيد الحياة ، ما عدا الأخ الأصغر لنا ، الذي كان في المرحلة الثانوية وقت وفاة الوالد عليه رحمة الله ، فهل مصاريف دراسته على حساب ميراثه الشرعي أم لا ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
مصاريف دراسة هذا الشاب كمصاريف أكله وشربه ولباسه ونكاحه ، تكون على ماله ، سواء كان من مال عنده سابق ، أو كان من حصته في ميراث والده ، أما لو فرض أنه ليس عنده شيء ، وأن والده لم يخلف شيئاً ، فإن مصاريفه تكون على من تلزمه نفقته من أقاربه ” .
انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” .
ثانيا :
لذلك فالذي نراه أن والدك قد وقع في الظلم تجاهك من جهتين :
الأولى : تقصيره في حثك على استكمال التعليم الجامعي المحافظ ، والإنفاق عليك إلى بلوغ هذا القدر الضروري في مجتمعاتنا وحياتنا اليوم .
الثاني : منعه لك من تحقيق رغبتك في التعليم ، رغم استغنائك عن نفقته عليك لهذا الغرض ، وتوفر الشروط الشرعية في الجامعة المطلوبة ، وتمسكك بالضوابط الشرعية ، وقد رفض الفقهاء هذا القدر من تسلط الآباء على أبنائهم ، وقالوا إنه ليس من حق الوالدين منع أبنائهما من طلب العلم أو التحكم في هذا الشأن ، وقد تقدم بسط ذلك في موقعنا في الجواب رقم : (178363) .
جاء في “الفتاوى الفقهية الكبرى” (2/128-129) لابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” إذا ثبت رشد الولد – الذي هو صلاح الدين والمال معا – لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه دينا أو دنيا ، ولا عبرة بريبة يتخيلها الأب مع العلم بصلاح دين ولده وكمال عقله ،
وحينئذ لا نظر لكراهة الوالد له ، حيث لا حامل عليها إلا مجرد فراق الولد ؛ لأن ذلك حمق منه ، وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه ، أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته ، ولقد شاهدت من بعض الآباء مع أبنائهم أمورا في غاية الحمق ، التي أوجبت لكل من سمعها أن يعذر الولد ، ويخطِّئ الوالد فلا يستبعد ذلك.
ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده ، فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا ، بل عليه التحري التام في ذلك ، والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم ، فإن رأوا للوالد عذرا صحيحا في الأمر أو النهي وجبت عليه طاعته ، وإن لم يروا له عذرا صحيحا لم يلزمه طاعته ، لكنها تتأكد عليه حيث لم يترتب عليها نقص دين الولد وعلمه أو تعلمه ” انتهى .
ثالثا :
لعلاج هذه المشكلة : لا بد فيه من بذل جميع الأسباب التي يمكن أن تقنع الوالد بقضيتك ، من خلال توسيط أهل الخير ، والاستعانة بأقاربك من أعمامك وكل من له صلة وثيقة بالوالد ، والاستمرار في الحوار ومحاولة الإقناع ، وإعانته على الرفق بك في ذلك ، بتمام بره والإحسان إليه ، وقبل ذلك كله : سؤال الله تعالى الفرج والتيسير .
فإن لم يقبل الوالد ذلك ، فبالإمكان التوصل معه إلى قبول الدراسة بنظام الانتساب ، والذي لا يلزمك بالحضور في جميع المحاضرات ، فلعل الوالد يخشى عليك من الخروج والاختلاط الزائد بالناس .
وإن لم يقبل ذلك أيضا ، فهناك جامعات عديدة معترف بها ، وفي تخصصات مختلفة ، تتم الدراسة بها عن بعد ، عن طريق الانترنت ، وتعطي شهادة معتمدة ، حتى الدكتوراه .
وعلى فرض عدم تمكنك بعد كل المحاولات فليس ذلك نهاية المطاف ، ولا هو سبب الشقاء والتعاسة ، وفضل الله أوسع من أن يحصر في الدراسة الجامعية ، فلا تتركي نفسك نهبة للشيطان وأسيرة للوساوس والمشاعر السلبية ، واعلمي أن الله عز وجل يقول : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android