0 / 0
55,20210/03/2014

مفهوم الإجازة في العلوم الشرعية وتطوره

السؤال: 187065

ما هي الإجازة ؟ ، وما أنواعها ؟

وكيف لهذه الإجازة أن تثبت أن الشخص المجاز قادر على تدريس ذاك الفرع من فروع الشريعة المجاز فيه ؟ وما هي شروط الإجازة الصحيحة ؟

وهل يؤمن السلفيون ويتعاملون بهذه الإجازات ، أم أنه منهج صوفي بحت ؟

وهل كان الألباني يمتلك إجازة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما نوع الإجازات التي كانت لديه ؟

لأني سمعت أن غالب علمه قراءة ذاتية .

وكم إجازة لديكم أنتم ؟ ، وفي أي فروع علوم الشريعة ؟
إن أغلب معرفتي الشرعية أستقيها من موقعكم ، لذا يهمني معرفة مدى أهليتكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

” الإجازة ” مصطلح علمي ابتكره علماء الإسلام في بداية عصور الرواية ، كان يهدف إلى توثيق العلوم المتمثلة في ذلك الوقت بالقرآن الكريم ومرويات السنة المطهرة ، يحصل من خلالها الباحث على حق الرواية ، أي الإذن في الرواية والمشاركة في الساحة العلمية ، فمن نال إجازة في تلاوة القرآن الكريم أو رواية حديث أو كتاب فقد دخل صرح العلوم الشرعية ، ونال الإذن في المساهمة في نقل العلم ونشره بين الناس .
ولكن لم يرتبط ذلك بوجه من الوجوه ببيان مدى أعلمية المُجاز وأحقيته في المشاركة في العلم والمعرفة ، فالإجازة مَكسب يمكن أن يناله كل أحد ، ولكن هل يقبل أداؤه بعد ذلك أو لا يقبل ، فذلك شأن آخر تشدد فيه العلماء كثيرا ، وأقاموا لأجله الموازين العادلة التي يميَّز فيها العالِم الحق عن الدعي الدخيل الذي نال حق الإجازة عن غير جدارة ولا استحقاق ، فليس كل مُجاز أهل لتأدية العلم الذي يحمله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) رواه الترمذي (2656) وقال: حديث حسن . وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وقد اتخذت الإجازة أوجها متعددة عبر تاريخ الحضارة الإسلامية ، تنحو في بعض الأحيان إلى التشدد ، وفي أحيان أخرى إلى التساهل :
بدءًا من ” مناولة الشيخ للتلميذ بعض حديثه مكتوباً ، وإذنه له في روايته عنه ، وهذه أعلى صور الإجازة ؛ لما اشتملت عليه من مزيد التوثق “، لذلك قال القاضي عياض : ” هي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين ” .
ومرورا بمنح الإجازة في تلاوة القرآن الكريم ، وإقرائه للناس مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل ، عن رب العزة جل وعلا ، وكذلك ومنح الإجازة المكتوبة في الإفتاء والتدريس ، كتلك التي نقلها القلقشندي (ت821هـ) موقَّعةً من شيخه ابن الملقن ، وفيها : ” أذن وأجاز لفلان المسمّى فيه ، أدام الله تعالى معاليه ، أن يدرّس مذهب الإمام الشافعيّ ، وأن يقرأ ما شاء من الكتب المصنّفة فيه ، وأن يفيد ذلك لطالبيه ، حيث حلّ وأقام ، كيف ما شاء متى شاء وأين شاء ، وأن يفتي من قصد استفتاءه خطّا ولفظا ، على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه ، لعلمه وديانته وأمانته ، ومعرفته ودرايته ، وأهليّته لذلك وكفايته . فليتلقّ – أيده الله تعالى – هذه الحلّة الشريفة ، وليترقّ بفضل الله تعالى ذروة هذه المرتبة المنيفة ، وليعلم قدر ما أنعم الله تعالى عليه ، وأسدى من الإحسان الوافر إليه ، وليراقبه مراقبة من يعلم اطّلاعه على خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وليعامله معاملة من يتحقّق أنه يعلم ما يخفيه العبد وما يبديه في الورود والصّدور ، ولا يستنكف أن يقول فيما لا يعلم : لا أعلم ” انتهى من ” صبح الأعشى ” (14/367) .
فانظر كيف أصبحت الإجازة ههنا شهادة مرسومة تأذن لحاملها بالتدريس العام والإفتاء .
ثم دخلت الإجازة كثيرا من العلوم الطبيعية والتجريبية ، كما جاء في ” عيون الأنباء في طبقات الأطباء ” (ص/302) قوله : ” لما كان في سنة تسع عشرة وثلاثمائة اتصل بالمقتدر أن غلطا جرى على رجل من العامة من بعض المتطبِّبين ، فمات الرجل ، فأمر بمنع سائر المتطبِّبين من التصرف إلا من امتحنه سنان بن ثابت ، وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له من الصناعة ، فصاروا إليه وامتحنهم ، وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه ، وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيفا وستين رجلا ، سوى من استغنى عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته ، وسوى من كان في خدمة السلطان ” انتهى.
وهكذا تطور مفهوم الإجازة من صورته الفردة المقتصرة على الإذن برواية بعض الأخبار إلى كونها شهادة معتمدة من جهة ذات مصداقية في علم من العلوم ، تظهر قدرة حاملها على الأداء العلمي المتقن في مجال تخصصه .
ثم تطورت في عصورنا المتأخرة إلى مئات الأنواع بحسب تخصصاتها والجهات المشرفة عليها والسنوات المبذولة فيها والمستويات المندرجة تحتها وغير ذلك من الاعتبارات .
وهذا النوع من ” الإجازات ” هو الذي ينبغي الاهتمام به والتفتيش عنه ، الإجازات التي تنظمها القوانين والأنظمة المنضبطة ، وتشرف عليها جهات معتمدة ذات مصداقية عالية في تخصصها وأمانتها وسمعتها بين الناس ، كالجامعات المرموقة ، والمعاهد المختصة ، والمراكز العالمية ، ونحوها من المؤسسات الشرعية وغير الشرعية ، أو أفراد العلماء والمشايخ الذين يتثبتون فيما يمنحون من إجازات وشهادات ، المهم أن تُثبت الإجازة لحاملها أنه ترقَّى في تحصيل العلم بين يدي أهله المختصين فيه ، ضمن أنظمة رقابية تضمن تحقق الحد الأدنى من الكفاءة المطلوبة .
أما الإجازات التي اشتهرت لدى بعض المشتغلين بالعلوم الشرعية ، خاصة في علوم الحديث منها ، التي يتم فيها منح حق الرواية والتدريس من غير تثبت من أهلية المجاز وتمكنه مما أجيز به ، فهي من الصور الضعيفة التي لا ينبغي التعويل عليها في توثيق حاملها والأخذ عنه ، سوى التبرك برسم الإسناد الذي هو حبل هذه الأمة الممدود عبر القرون .
يقول الشيخ عبدالله الجديع : ” توسع فيها المتأخرون ، وزادوا في أنواعها ، وأدخلوا فيها صوراً منكرة ، شبيهاً بما أدركناه اليوم من طائفة يقتني أحدهم كراساً جمع فيه له أو جمع لنفسه أسماء مصنفات عدة ، كالصحيحين والسنن ، له بمضمون ذلك الكراس إجازة من شيخ له ، أن يروي تلك الكتب عنه ، وذلك بإسناد لذلك الشيخ عن شيخ له ، ويقع في السلسلة من هو معروف من علماء المتأخرين بالإسناد ، ينتهي الإسناد إلى إمام من الأئمة الحديث ، كالحافظ ابن حجر أو غيره ، ومنه إلى الأئمة المصنفين لتلك الكتب .
والعيب في هذه الإجازات أن الطالب يجاز بمجرد أسماء لكتب ، لا يجاز بمضمون ، بل من هؤلاء المجازين من لم يطلع على مضمون ، ولم ير الكتاب الذي أجيزت له روايته عمره ، خصوصاً بعض الأجزاء الحديثية التي هي في عداد المفقود ، فعجبا لأحدهم يقول بعد ذلك : لدي برواية صحيح البخاري إجازة ، وأنا أروي جامع الترمذي عن مسند العصر فلان ، ما أراه والله إلا يكذب في دعواه ، فإنه لو قرأ البخاري أو الترمذي وحفظهما فإنه إنما تلقاهما بالطريق الذي تلقاهما به سائر الناس ، وهو هذه الوجادات عن الأصول الخطية والنسخ المنتهية أصولها إلى قرون عدة ، فأي فضل في هذا لإسناد هذا المسكين ، وأي صدق في دعواه أروي هذا عن فلان ، ما هذا إلا من تشبع الإنسان بما لم يعط ، ولا عجب ، فكثير من هؤلاء المجيزين والمجازين ممن لا حظ لهم في هذا العلم ” انتهى من ” تحرير علوم الحديث ” (1/152-153) .
ولذلك فإننا ندعو الأخ السائل إلى التحري دائما عن الإجازات الحقيقية التي يحملها العالم كي يتوثق من علمه وتمكنه ، وليس عن الإجازات الصورية التي هي رسوم ومظاهر من غير حقيقة علمية مثبتة .
والشيخ الألباني رحمه الله قد نال شهادة الكثير من العلماء ، ممن عرفوه وحاوروه واستمعوا إلى علمه وفهمه ، فصدرت فيه أقوى الشهادات من كبار العلماء في عصره ، كالشيخ محب الدين الخطيب ، والشيخ ابن باز ، وابن عثيمين ، يمكنك مراجعتها وغيرها في كتاب ” حياة الألباني ” للشيخ محمد إبراهيم الشيباني (ص/540-563)، وينظر في موقعنا الفتوى رقم: (113687) .
أما موقعنا ” موقع الإسلام سؤال وجواب ” فيشرف عليه مجموعة من طلبة العلم ، ونسأل الله السداد والتوفيق ، وأن يجنبنا الزلل والفتن .
وللمزيد يمكنك الاطلاع على هذا الرابط :http://islamqa.info/ar/about
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android