0 / 0
38,16004/09/2012

ما ضابط “الخلاف السائغ”؟ وهل الخلاف في التصوير ، وصلاة الجماعة ، والإسبال منه ؟

السؤال: 177830

هل يعدُّ الخلاف في الصور الفوتوغرافية لذوات الأرواح ، والصلاة في الجماعة ، وإسبال الإزار لغير خيلاء من الخلاف السائغ ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً
فإنه قبل الحكم على تلك المسائل أنها من مسائل الخلاف السائغ أم لا ، فإنه يجدر بنا أن نعرف ضوابط ” الخلاف السائغ ” فنقول : المسائل التي وقع فيها خلاف بين العلماء مما يصح أن تكون من مسائل الخلاف السائغ هي ما جمعت هذه الشروط :
1. أن لا يكون في المسألة دليل من الكتاب أو السنَّة أو إجماع متحقق .
وما لم تكن المسألة فيها نص من الوحي أو إجماع منعقد : فستكون مبنية على النظر والاجتهاد ، والعلماء ليسوا سواسية في هذا الباب ، وقد وهب الله تعالى لبعضهم ما لم يهبه لغيره من قوة النظر والقدرة على الاستنباط .
قال النووي – رحمه الله – : ” وكذلك قالوا ليس للمفتى ولا للقاضي أن يَعترض على مَن خالفه اذا لم يخالف نصّاً أو إجماعاً أو قياساً جليّاً ” انتهى من ” شرح مسلم ” ( 2 / 24 ) .
ولا فرق في هذا بين مسائل العقيدة ومسائل الفقه في هذا الباب ، وأكثر ما يقع فيه الخلاف والعفو عنه هو دقيق مسائل العلم ؛ لأنه يندر إجماع العلماء على هذه الدقائق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمَّة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمَّة ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 165 ) .
2. أن تكون المسألة فيها نص صحيح لكنه غير صريح الدلالة على المراد .
ووقوع الخلاف هنا في الفهم الذي جعله الله تعالى متفاوتاً بين الخلق .
3. أن تكون المسألة فيها نص صريح في الدلالة لكنه متنازع في صحته ، أو يكون له معارض قوي من نصوص أخرى .
مع التنبيه أن الخلاف السائغ المقبول هو ما كان صادراً من أهل العلم والدين ، وأما العامة ، وأشباههم ، فلا قيمة لخلافهم ، ولا عبرة بفتواهم أصلا .

ثانياً:
إذا تحقق للمسلم أن المسألة التي تبناها والتزم بحكمها هي من مسائل الخلاف السائغ : فينبغي له أن يعلم أموراً مهمة :
1. أنه ليس له أن يُنكر أو يعيب على مخالف .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – : ” قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي : سألت أحمد – أي : ابن حنبل – : هل ترى بأساً أن يصلي الرجل تطوعاً بعد العصر والشمس بيضاء مرتفعة ؟ قال : لا نفعله ، ولا نعيب فاعله .
قال : وبه قال أبو حنيفة .
وهذا لا يدل على أن أحمد رأى جوازه ، بل رأى أن من فعله متأولاً ، أو مقلداً لمن تأوله ، لا يُنكر عليه ، ولا يُعاب قوله ؛ لأن ذلك من موارد الاجتهاد السائغ ” انتهى من ” فتح الباري ” لابن رجب ( 4 / 127 ) .
2. ومن باب أولى أن لا يحكم على مخالفه بالجهل أو الضلال أو البدعة .
3. ومسائل الخلاف السائغ لا يجوز معها التناحر والافتراق والهجر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” مسائل الاجتهاد مَن عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 20 / 207 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – : ” وهذا النوع من الاختلاف لا يوجب معاداةً ولا افتراقاً في الكلمة ولا تبديداً للشمل ؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع كالجد مع الإخوة وعتق أم الولد بموت سيدها ” انتهى من ” الصواعق المرسلة ” ( 2 / 517 ) .
4. في هذه المسائل يدور الأمر بين أجر واحد للمخطئ وأجرين للمصيب .
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) . رواه البخاري ( 6919 ) ومسلم ( 1716 ) .
5. وكون المسألة من مسائل الخلاف السائغ لا يعني أنه يُمنع من التباحث العلمي فيها ، بل ما زال ذلك دأب أهل العلم ؛ أن يتباحثوا في مثل هذه المسائل ، ويصنفوا فيها ، وينظروا في قول المخالف ، أو يردوه بما عندهم من دليل ؛ ومقصودهم من ذلك إصابة الأجرين ، وهم يعلمون أن الحق في أحد الأقوال وكل واحد يسعى إلى إصابة الحق في المسألة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 30 / 80 ) .

ثالثاً:
بعد الذي سبق نقول :
1. إن مسألة ” التصوير الفوتغرافي ” هي في أصلها من ” الخلاف السائغ ” ؛ لأنها أمر حادث ليس موجوداً من قبل فبالقطع ليس فيها نص من كتاب أو سنَّة أو إجماع ، ومحل الخلاف هل تشملها نصوص السنَّة أو لا تشملها وهذا محل اجتهاد ، ولا شك ، ولذا فلا عجب من وقوع الخلاف في المسألة بين العلماء المعاصرين .
وانظر ما كتبناه في حكم ” التصوير الفوتغرافي ” في جوابي السؤالين (22660 ) و (8954).
2. وأما مسألة ” صلاة الجماعة ” : فإن الأدلة على وجوبها ظاهرة بيِّنة في الكتاب والسنَّة ، فقد أمر الله تعالى بالصلاة جماعة أثناء الجهاد ، وهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحرِّق على من يصلي بيته ويترك جماعة المسجد ، كما أنه ثمة أقوال للصحابة رضي الله عنهم تؤكِّد هذا الوجوب الذي ثبت بالسنَّة المشرَّفة ، كقول ابن مسعود رضي الله تعالى في وجوب الصلاة جماعة في المسجد وأن من يتخلف عنها هو منافق معلوم النفاق ، وهو قول التابعين المحققين .
قال ابن المنذر – رحمه الله – : ” وفي اهتمامه بأن يحرِّق على قوم تخلَّفوا عن الصلاة بيوتَهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض ” انتهى من ” الأوسط ” ( 4 / 134 ) .
ومع هذا فقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أربعة أقوال .
1. فمنهم من قال إنها فرض عين ، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف وفقهاء الحديث .
2. ومنهم من قال إنها فرض كفاية ، وهذا هو المرجح في مذهب الشافعي ، وهو قول بعض أصحاب مالك ، وهو – أيضاً – قول في مذهب أحمد .
3. وطائفة ثالثة ذهبت إلى كونها سنَّة مؤكدة ، وهو قول أصحاب أبي حنيفة وأكثر أصحاب مالك وكثير من أصحاب الشافعي ، ويذكر رواية عن أحمد .
4. وذهب بعض العلماء إلى أن صلاة الجماعة فرض عين وشرط في صحة الصلاة ، وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد وطائفة من السلف ، واختاره ابن حزم ، ويذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد قوليه .
وعليه : فمما ذكرناه من الاختلاف بين العلماء في حكم صلاة الجماعة يتبيَّن للباحث أن الخلاف في وجوبها هو من الخلاف السائغ ، ونحن – في موقعنا – نرجح القول بوجوبها ، وقد ذكرنا الأدلة من القرآن والسنَّة على الوجوب وعززناها بأقوال أهل العلم في أجوبة الأسئلة ( 120 ) و ( 8918 ) و (40113 ) .
3. وأما مسألة الإسبال : فقد قام الإجماع على حرمة من أسبل إزاره خيلاء ، وأما من أسبل غير قاصد الخيلاء ، فالخلاف فيه – أيضا – معتبر بين العلماء بسبب اختلافهم هل يُحمل المطلق من النصوص الثابتة بتحريم الإسبال على المقيَّد منها بالخيلاء ؟ وقد ذهب أكثر العلماء إلى هذا فحملوا المطلق من الأحاديث في تحريم الإسبال إلى المقيد منها بالخيلاء ولم يروا بأساً بالإسبال إذا خلا صاحبه من الخيلاء ، وخالفهم بعض العلماء فلم يقيدوا المنع من الإسبال بالخيلاء بل جعلوا لكل واحد من الأمرين حكمه وإثمه وعقوبته ، وهي من مسائل الفهم ، والخلاف فيها سائغ.
ولا يمنع – كما سبق أن ذكرنا – كون المسألة من مسائل الخلاف السائغ أن لا يبحثها المسلم قاصداً تحري الأجرين ، ونحن في موقعنا تبنينا الحكم بتحريم الإسبال مطلقاً ولو لم يقصد المسبل الخيلاء .
وقد ذكرنا المسألة بأدلتها وبينَّا وجه قولنا بالتحريم المطلق للإسبال في أجوبة الأسئلة ( 72858 ) و ( 102260 ) و (111852 ) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android