0 / 0
99,76410/04/2012

هل سفر الحاضنة بالولد يسقط الحضانة ؟

السؤال: 171332

هل يجوز للأم الحاضنة السفر بأولادها والتي أعمارهم 3 سنوات و 6 سنوات بدون إذن والدهم ، وذلك في الحالتين :
الأولى :
أنها لا تزال زوجة له .
الثانية :
في حالة الطلاق ، مع العلم أن سفر الحاضنة سيكون من المدينة التي يقيم والد أولادها إلى قرية أهلها ومسافة السفر تقريبا 600 كيلو متر ذهابا فقط .
مع العلم أن القرية حيث مقر اقامة الزوجة هي التي تم فيها عقد الزواج ، لكن بنية الانتقال إلى بيت الزوج في المدينة ، حيث قام أهل الزوجة بإيصالها إلى بيت الزوج في المدينة ، وتم الدخول فيه ، والزواج تم على مذهب الامام الشافعي .
فهل يعتبر هذا السفر مسقط لحضانة الأم وانتقالها للأب في حالة استمرار الزواج أو في حالة تم الطلاق ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الأم أحق بحضانة طفلها الصغير ، غير المميز ، ما لم تنكح زوجا غير أبيه ، أو يكن هناك مانع يمنع حضانتها لطفلها .
وينظر جواب السؤال رقم (91862) ورقم (43476) .
فإن كانت الأم في زوجية والد الطفل : وجب عليها أن تقيم بطفلها في مسكن أبيه .
وإن لم تكن في زوجيته ، فقد اشترط جمهور الفقهاء أن تكون حضانتها لطفلها في بلد أبيه .
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (17/308-309) :
” مَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ أُمَّهُ وَهِيَ فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ، أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ. ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُلْزَمَةٌ بِمُتَابَعَةِ زَوْجِهَا وَالإْقَامَةِ مَعَهُ حَيْثُ يُقِيمُ، وَالْمُعْتَدَّةُ يَلْزَمُهَا الْبَقَاءُ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ سَوَاءٌ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الأْمِّ فَمَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ أَوْ وَلِيُّهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الأْمِّ ؛ لأِنَّ لِلأْبِ حَقَّا رُؤْيَةِ الْمَحْضُونِ ، وَالإْشْرَافَ عَلَى تَرْبِيَتِهِ ، وَذَلِكَ لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ يُقِيمُ فِي بَلَدِ الأْبِ أَوِ الْوَلِيِّ .
هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَتَدُل عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى” .
ثانيا :
إذا قدر أنه تعذر اجتماع الأبوين في بلد واحد ، وتعين انتقال أحدهما عن بلد الآخر، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن استحقاق الأم للحضانة يسقط في هذه الحالة ، وتعود حضانته لأبيه ، سواء كان هو المنتقل عن بلده ، أو الأم هي المنتقلة .
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” :
” أَمَّا مَسْأَلَةُ انْتِقَال الْحَاضِنِ، أَوِ الْوَلِيِّ إِلَى مَكَان آخَرَ فَفِيهِ اخْتِلاَفُ الْمَذَاهِبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ – الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ – بَيْنَ سَفَرِ الْحَاضِنَةِ، أَوِ الْوَلِيِّ لِلنُّقْلَةِ
وَالاِنْقِطَاعِ وَالسُّكْنَى فِي مَكَان آخَرَ، وَبَيْنَ السَّفَرِ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ.
فَإِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا ( الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ ) لِلنُّقْلَةِ وَالاِنْقِطَاعِ سَقَطَتْ حَضَانَةُ الأْمّ ِ، وَتَنْتَقِل لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ بَعْدَهَا ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالْمَكَانُ الْمُنْتَقِل إِلَيْهِ مَأْمُونًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ، وَالأْبُ هُوَ الأْوْلَى بِالْمَحْضُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْمُقِيمَ أَمِ الْمُنْتَقِل، لأِنَّ الأْبَ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَأْدِيبِ الصَّغِيرِ، وَحِفْظِ نَسَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ فِي بَلَدِ الأْبِ ضَاعَ .
لَكِنْ قَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ أَوْلَوِيَّةَ الأْبِ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ مُضَارَّةَ الأْمِّ ، وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ، بَل يُعْمَل مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ.
وَإِنْ سَافَرَتِ الأْمُّ مَعَ الأْبِ بَقِيَتْ عَلَى حَضَانَتِهَا…
وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعُودَ الْمُسَافِرُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّفَرُ طَوِيلا أَمْ قَصِيرًا ، وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ أَوِ الْمَكَانُ الْمُنْتَقَل إِلَيْهِ غَيْرَ آمِنٍ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ وَالاِنْقِطَاعِ ..
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا – الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ – لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ الأْمِّ، وَتَأْخُذُهُ مَعَهَا إِنْ سَافَرَتْ، وَيَبْقَى مَعَهَا إِنْ سَافَرَ الأْبُ …
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْمِّ الْحَاضِنَةِ الَّتِي فِي زَوْجِيَّةِ الأْبِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الْخُرُوجُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا إِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْمَحْضُونِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِي الأْحْوَال الآْتِيَةِ:
1 – إِذَا خَرَجَتْ إِلَى بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لأِبِيهِ رُؤْيَتُهُ وَالْعَوْدَةُ فِي نَهَارِهِ عَلَى أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ أَقَل حَالاً مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي تُقِيمُ فِيهِ حَتَّى لاَ تَتَأَثَّرَ أَخْلاَقُ الصَّبِيِّ.
2 – إِذَا خَرَجَتْ إِلَى مَكَان بَعِيدٍ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الآْتِيَةِ:
أ – أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ وَطَنَهَا.
ب – أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ عَقَدَ نِكَاحَهُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْبَلَدِ.
ج – أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ دَارَ حَرْبٍ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا…
هَذَا إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ هِيَ الأمَّ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالصَّغِيرِ إِلَى أَيِّ مَكَان إِلاَّ بِإِذْنِ الأبِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا
كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلأبِ أَوِ الْوَلِيِّ أَخْذُ الصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالاِنْتِقَال بِهِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ بِلاَ رِضَاهَا مَا بَقِيَتْ حَضَانَتُهَا قَائِمَةً، وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِانْتِقَالِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْتَقِل إِلَيْهِ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا ” انتهى (17/308-311) .
وينظر “المغني” لابن قدامة (8/242-243) .
وأما مذهب الشافعية ، فقد سبق حكاية مذهبهم في ذلك ، وهو مذهب الجمهور .
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
” (فَصْلٌ) لَوْ (سَافَرَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا كَحَجٍّ وَتِجَارَةٍ وَنُزْهَةٍ (فَالْمُقِيمُ أَوْلَى) بِالْوَلَدِ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمُسَافِرُ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ لِخَطَرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ الْعَوْدِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ، وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ ، كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، فَالْمُتَّجَهُ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ .
(أَوْ) سَافَرَ (لِنَقْلَةٍ، وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالْأَبُ أَوْلَى) بِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَافِرُ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ، وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ) فِي مَقْصِدِهِ أَوْ طَرِيقِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا خَوْفٌ كَغَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَالْمُقِيمُ أَوْلَى..” انتهى من “أسنى المطالب” (3/451) . وينظر : “البيان شرح المهذب” للعمراني (11/291) .
غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قيد انتقال الحضانة إلى الأب بما إذا لم يقصد الإضرار بنقلته ؛ فإن قصد الإضرار فلا حق له في نقل الحضانة إليه .
ثالثا :
ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من تقييد استحقاق الأم للحضانة بكونها في بلد والد الطفل ؛ فإذا سافر أحدهما ، كان الأب أحق بها ، ليس بتوقيف من الشارع على ذلك ، إنما هو بناء على مصلحة الطفل ، والنظر له في كونه مع أبيه .
قال ابن حزم رحمه الله :
” لَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ بِسُقُوطِ حَضَانَةِ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ رَحِيلِ الْأَبِ فَهُوَ شَرْعٌ بَاطِلٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَمُخَالِفٌ لَهُمَا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَسُوءُ نَظَرٍ لِلصَّغِيرَيْنِ وَإِضْرَارٌ بِهِمَا، فِي تَكْلِيفِ الْحَلِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْإِزَالَةِ عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ – وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَجَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ ” انتهى من “المحلى” (10/146) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” الولد مطلقًا إذا تعيَّن أن يكون في مدينة أحد الأبوين دون الآخر، وكان الأب ساكنًا في مصر والأمُّ ساكنة في مصرٍ آخر، فالأب أحقُّ به مطلقًا، سواء كان ذاكرًا أو أنثى عند عامة العلماء، كشريح القاضي وكمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، حتى قالوا: إنّ الأب إذا أراد سفرَ نُقلةٍ لغير الضرار إلى مكانٍ بعيد فهو أحقُّ به ، لأن كونه مع الأب أصلح له ، لحفظِ نسبِه وكمالِ تربيته وتعليمه وتأديبه ، وأنه مع الأم تَضِيع مصلحتُه ” . انتهى من “جامع المسائل” (4/422) .
وبناء على ذلك : فإذا تعينت مصلحة الطفل الشرعية ، في أن يكون مع أحدهما ، وجب ضمه إلى حضانته ، حتى لو كانت هي الأم .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
“” فكلُّ ما قدَّمناه من الأبوين إنما نقدِّمه إذا حَصَلَ به مصلحتُها [ أي : البنت ] ، واندفعت به مفسدتُها، فأما مع وجود فسادِ أمرِها مع أحدهما فالآخر أولى به بلا ريب.
حتى الصغير إذا اختار أحدَ أبويه وقدَّمناه ، إنما نقدِّمه بشرط حصول مصلحته وزوالِ مفسدته، فلو قدرنا أن الأب أقرب لكن لا يصونُه والأمُّ تصونُه ، لم يُلتَفتْ إلى اختيار الصبي ، فإنه ضعيف العقل ، قد يختار أحدهما لكونه يوافق هواه الفاسد ، ويكون الصبي قصدُه الفجور ومعاشرة الفجّار ، وتركُ ما ينفعه من العلم والدين والأدب والصناعة ، فيختار من أبويه من يَحصُل له معه ما يهواه ، والآخر يَذُودُه ويُصلِحه ، ومتى كان كذلك فلا ريبَ أنه لا يُمكَّن ممن يفسد معه حاله.
ولهذا قال أصحاب الشافعي وأحمد: إنه لا حضانةَ لفاسقٍ ، وكذلك قال الحسن بن حيٍّ ، وقال مالك : كلُّ من له الحضانةُ من أبٍ أو ذاتِ رَحِمٍ أو عصبةٍ ليس له كفاية ، ولا موضعُه بحرزٍ، ولا يُؤمَن في نفسه فلا حضانةَ له ، والحضانة لمن فيه ذلك وإن بَعُد ، ويُنظَر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز، فرُبَّ والدٍ يُضيِّع ولدَه .
وكذلك قالوا -وهذا لفظ القاضي أبي يعلى في “خلافه”-: إنما يكون التخييرُ بين أبوين مأمونَين عليه، يُعلَم أنه لا ضررَ عليه من كونه عند واحدٍ منهما، فأما من لا يقوم بأمرِه ويُخليه للعب ، فلا يثبت التخيير في حقه.
والنبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “مُروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع” ؛ فمتى كان أحد الأبوين يأمره بذلك، والآخر لا يأمره، كان عند الذي يأمره بذلك دون الآخر، لأن ذلك الآمر له هو المطيع لله ورسوله في تربيته، والآخر عاصٍ الله ورسوله.
فلا يُقدَّم من يَعصي اللهَ فيه على من يُطيع الله فيه ، بل يجب إذا كان أحد الأبوين يفعل معه ما أمر الله به ورسولُه ، ويترك ما حرَّم الله ورسولُه ، والآخر لا يفعل معه الواجب ، أو يفعل معه الحرام قُدِّمَ من يفعل الواجبَ ولو اختار الصبيُّ غيرَ ه، بل ذلك العاصي لا ولايةَ له عليه بحالٍ.
بل كلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولايةَ له ، بل إمّا أن يُرفَع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب ؛ وإمَّا أن يُضمَّ إليه من يقوم معه بالواجب .
فإذا كان مع حصوله عند أحد الأبوين يَحصُل طاعةُ الله ورسوله لاحقُه ، ومع حصوله عند الآخر لا يَحصُل له قُدِّم الأوَّلُ قطعًا.
وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يَحصُل بالرحم والنكاح والولاء ، وإن كان الوارث حاضرًا وعاجزًا ، بل هو من جنس الولاية ، ولاية النكاح والمال ، التي لابدَّ فيها من القدرة على الواجب وفعله بحسب الإمكان .
وإذا قُدِّر أن الأب تَزوَّج بضَرَّةٍ ، وهو يتركُها عند ضرَّة أمها ، لا تَعمل مصلحتَها ، بل تُؤذِيها أو تُقَصِّر في مصلحتها ، وأمُّها تَعملُ مصلحتَها ولا تُؤذيها، فالحضانة هنا للأم قطعًا ، ولو قُدِّر أن التخيير مشروع وأنها اختارت الأمَّ، فكيف إذا لم يكن كذلك؟
ومما ينبغي أن يُعلَم أن الشارع ليس له نصٌّ عام على تقديم أحد الأبوين مطلقًا ، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقًا ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدُهما مطلقًا، بل مع العدوان والتفريط والفساد والضرر لا يُقدَّم من يكون كذلك على البَرِّ العادل المحسن القائمِ بالواجب” انتهى من “جامع المسائل” (3/420-421) . وينظر : الفروع” لابن مفلح (9/345) ، “زاد المعاد لابن القيم” (5/424) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الصحيح في هذه المسألة: أننا إذا علمنا أن الولد بحاجة إلى الأم ، أو أن الوالد سيضر بالولد، فإنه بلا ريب الأم أحق بالحضانة من الأب ؛ لأن وجود الطفل مع أمه ، يرضع من لبنها أنفع له من الرضاعة من لبن غيرها ، والحضانة يُنظر فيها إلى ما هو أصلح للطفل” .
انتهى من “الشرح الممتع” (13/542) .
والحاصل :
أن استحقاق الأب لحضانة ابنه مقيد بما إذا لم يقصد المضارة بالطفل أو أمه ، فإذا قصد المضارة لم يمكن من ذلك ، وتبقى حضانته لأمه ؛ وهكذا إذا لم يقصد المضارة ، لكن كانت مصلحة الطفل الشرعية في بقائه مع أمه ، بقي معها .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android