0 / 0
181,31914/09/2007

ما هو لباس الشهرة ؟

السؤال: 104257

هل يعتبر اللباس الذي يلبسه الرياضيون والمغنون من لباس الشهرة المنهي عنه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
التوجيه الشرعي في أمر اللباس يستحب للناس أن يتوسطوا ويعتدلوا فيه ، من غير إسراف ولا مخيلة ، ومن غير رداءة ولا رثاثة ، فالاعتدال مندوب في جميع الأمور ، ومنها اللباس الذي يقي الإنسان من الحر أو البرد ويتزين به للناس .
يقول الله عز وجل : ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )الأعراف/31
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ) رواه النسائي (2559) وحسنه الألباني في “صحيح النسائي”
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ” كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرَف ومَخِيلة ” انتهى .
رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (5/171) .
وقد ورد في خصوص لباس الشهرة أحاديث منها حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه أبو داود (4029) والنسائي في “السنن الكبرى” (5/460) وابن ماجه (3606) وأحمد في “المسند” (2/92) وغيرهم ، وحسنه الألباني والأرناؤوط .
فمن لبس ما فيه إسراف ظاهر – بالنسبة لمجتمعه – يوحي بالتكبر والخيلاء ، أو لبس الرديء الرث – بالنسبة لمجتمعه – يشعر بالزهادة والعبادة ، فقد تجاوز القصد والاعتدال وحاد عن السبيل .
يقول السرخسي في “المبسوط” (30/268) :
” والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب على وجه يشار إليه بالأصابع ، أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخَلِقِ – القديم البالي – على وجه يشار إليه بالأصابع , فإن أحدهما يرجع إلى الإسراف والآخر يرجع إلى التقتير ، وخير الأمور أوسطها ” انتهى .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (6/136) :
” ويكره لبس زي مُزْرٍ بِهِ لأنه من الشهرة , فَإِن قَصَدَ به الاختيال أو إظهارَ التواضع حَرُمَ لأنه رياء ” انتهى .
والمقياس والميزان هو عادة الناس والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان ، فما كان بالنسبة لهم إسرافا ومخيلة أو كان رديئا رثا فهو مكروه مذموم ، وهو من الشهرة التي نهى عنها بعض السلف من الصحابة والتابعين :
قال ابن عمر رضي الله عنهما :
” من لبس رداء شهرة أو ثوب شهرة ألبسه الله نارا يوم القيامة ”
رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (6/81).
وقال سفيان الثوري :
( كانوا يكرهون الشهرتين : الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم ، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه )
ثانيا :
ومن الشهرة أيضا لباس ما تنكره عادات المجتمع وتقاليده ، وما يخالف في هيئته أو لونه ما يعرفونه ويألفونه ، مما يؤدي إلى حديث الناس عنه وغيبته والوقوع في نيته وقصده ، والمسلم مأمور بكف الغيبة عن نفسه ، أما اللباس الذي لا يستنكرونه ولا يستغربونه ، ويعتادون على رؤيته أو يأخذونه بالقبول ، فلا حرج من لبسه إذا كان ساترا للعورة .
عن عدي بن الفضل قال : قال لي أيوب :
” اُحْذُ نعلين على نحو حذو نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ففعلت ، فلبسها أياما ثم تركها ، فقلت له في ذلك فقال : لم أر الناس يلبسونها ” انتهى .
ابن أبي الدنيا في “التواضع والخمول” (رقم/62)
وعن الحصين قال : كان زبيد اليامي يلبس برنسا ، قال : فسمعت إبراهيم النخعي عابه عليه ، قال : فقلت له : إن الناس كانوا يلبسونها ، قال : أجل ! ولكن قد فني من كان يلبسها ، فإن لبسها أحد اليوم شهروه وأشاروا إليه بالاصابع .
رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (6/81)
جاء في “الموسوعة الفقهية” (6/136-137) :
” لبس الألبسة التي تخالف عادات الناس مكروه لما فيه من شهرة , أي ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع , لئلا يكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته , فيشاركهم في إثم الغيبة ، قال في لسان العرب : الشهرة ظهور الشيء في شُنعة حتى يشهره الناس “انتهى مختصرا .
ثالثا :
هناك عدة عوامل مؤثرة في الحكم على لباس الشهرة في زماننا هذا ، منها :
1- اتساع حال الناس اليوم ، وانفتاح الدنيا عليهم ، وانتشار المال بين أيديهم ، مما يسر عليهم شراء أفضل أنواع الثياب وأجودها .
2- التضخم الصناعي الهائل لأشكال وأنواع وألوان الألبسة اليوم ، فملايين المصانع تقدم يوميا آلاف التصاميم التي تنتشر في جميع أنحاء العالم اليوم ، فاعتاد الناس على لبس كل جديد ، وتقبل كل تغيير ، وقلت أنواع الألبسة التي ترفضها المجتمعات مطلقا .
3- الاختلاط بين الأجناس والأعراق ، وكثرة أسفار الناس وتنقلاتهم بين البلدان ، فلم تعد البلاد حكرا على أهلها ، بل صار البلد الواحد يحوي من أهل الشرق والغرب أعدادا كبيرة ، فكان له الأثر الظاهر أيضا في تقبل أنواع الألبسة الكثيرة .
4- ثم إن انتشار وسائل الإعلام بجميع أشكالها كان له الأثر الأكبر في تنويع ثقافات الألبسة ، وتناقلها بين الناس ، واستفادة بعضهم من بعض في هذا المجال .
كل ذلك أثَّر في فقه اللباس الشرعي ، فقد أحال الشرع الأمر إلى عرف الناس وعاداتهم ، وهي قد تأثرت اليوم بالعوامل الأربعة السابقة ، مما غير كثيرا من أحكام اللباس التي كانت في العصور السابقة .
فلا نرى أن لباس الرياضيين – إذا كان ساترا للعورة – أو لباس “البدلة الإفرنجية” ، أو خروج الرجل حاسر الرأس أو اللباس الخاص بأصحاب المهن والحرف المعينة ، كلباس الأطباء ولباس القضاة ولباس العمال ونحو ذلك : مِن الشهرة المذمومة ، فهي لا تحمل معنى الشهرة أصلا ، لا من حيث الإسراف والخيلاء ، ولا من حيث مخالفة المجتمع .
ولكن إذا وُجِدَ أَنْ لَبِسَهَا أحدٌ في مجتمعه الذي ما زال محافظا على تراثه وعادته ، ولم يتأثر بالعوامل الأربعة السابقة ، فكان مستغربا مستنكرا في قومه ، فهذا يكره في حقه ، ولا ينبغي له المشاقة والمخالفة ، فإن قصد بها الرياء والسمعة والتزكية ، أو إظهار الزهد أو إظهار الخيلاء والكبرياء أثم وحرم لباسه ذلك .
رابعا :
لا يخفى أن الشرط المهم الذي يقيد جميع الكلام السابق هو كون اللباس ساترا للعورة ، غير شفاف ولا واصف للون العورة ولا حجمها ، وليس فيه تشبهٌ بلباس الديانات الأخرى ولا تشبهٌ بالنساء أو أهل الفسق والمجون ، وليس حريرا بالنسبة للرجال ، فإن لم تنطبق فيه هذه الشروط فلا يجوز لبسه ولا بيعه ولا شراؤه .
وبالتأمل في كثير من لباس الرياضيين اليوم نجدها غير منضبطة بالستر الشرعي المطلوب ، فهي إما قصيرة تكشف أكثر الفخذ ، أو ضيقة تحجم العورة المغلظة ، فمثل هذه الألبسة لا يجوز لبسها بسبب مخالفتها الضوابط الشرعية .
وأما من أراد أن يلبس لباس المغنين والممثلين ، فقد تقحم باب سوء وفتنة وشر ، حين سعى نحو التشبه بأهل الفسق وأصحاب المعاصي والفساد ، وقد كان الواجب عليه كره المعصية وبغض شعارها ولباسها ، وتجنب أهلها والمفتونين بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (4031)
فلا يجوز لبس ما يتميز به المغنون والممثلون ، والأصل أن يقلد المسلم قدوة الخير والعلم والفضل ، وأما قدوة المعصية فهي سبيل غضب الله عز وجل .
وانظر جواب السؤال رقم (36891)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android